نشأت فكرة الأديان بناءً على الخوف من القوى الكونية المجهولة، والتي رأى الإنسان البدائي في الأعاصير والرعود والبروق وغيرها من الطبيعيات، صوراً من استعلان هذه القوة غير المفهومة، التي حاول الإنسان بدوره أن يسترضيها ويقدم لها القرابين.
ومن ثم فقد قاد البعض مسيرة العبادات وترضية الإله غير المفهوم والمجهول، حتى لا يأتي عليهم بالكوارث والنوائب الطبيعية من ناحية وحتى ينزل عليهم المطر من السماء لزراعة أرضهم وامتلاء أنهارهم من الماء.
ومن ثم تشكلت فئه الكهنة الذين رأوا في هذه الوظيفة الدينية مصدراً للمال وأيضاً للتسلط والتحكم في القبيلة؛ وهكذا رأي هؤلاء الكهنة أنه كلما زادت كمية الخوف من الإله الغائب المجهول، كلما زادت بالتبعية فرص العبادة وأيضاً جنى الأموال.
في واحدة من أقدم حضارات العالم؛ وهي الحضارة المصرية، نستطيع أن نرى المكانة المتميزة للكهنة وللمعابد القديمة التي كانت تمثل القاعدة الخلفية للحكم وللفرعون؛ وعلى الرغم من أن التراث الفرعوني زاخراً بالمعاني الإنسانية النبيلة الكثيرة إلا أن الفرعون العبراني (موسى النبي)، الذي أخرج العبرانيين من أرض مصر، ووضع أول شريعة مكتوبة في التاريخ متأثراً بفكرة التوحيد في الديانة المصرية القديمة، قد وضع لنا في شريعته صورة صارمة شديدة القسوة للإله الذي قاد بني إسرائيل لعبادته.
وليس من حسن حظ البشرية أن الشريعة التي وضعها موسى النبي كانت بالغة القسوة والصرامة، لأنها ضاعفت من حالة الخوف والرعب من الإله لصالح الانضباط المجتمعي والسلوكي بين الناس؛ الأمر الذي انتقل من الديانة اليهودية والشريعة الموسوية إلى باقي الديانات التي انبثقت لاحقاً من اليهودية على مدى التاريخ.
تطور التاريخ والعقل الإنساني، ونضجت الشعوب فكرياً على مدى حركة النمو الإنساني على مدى آلاف السنين؛ بينما لم يطرأ أي نوع من التغيير أو التطوير على الشرائع الدينية الموروثة من الأقدمين والتي أسست لعلاقه الخوف والرعب من عقاب الإله الغائب ومن مهابة وكلائه على الأرض (رجال الدين).
الجديد في الأمر أن الإنسان في عصرنا الحديث صرخ في وجه الإله: "أبانا الذي في السماوات، أبق فيها."
ومع رفض الإنسان للقمع الإلهي، سقطت هيبة الدين ورجاله بداية من الثورة الفرنسية بغير انتهاءٍ بعد.
المؤسف والمحزن والمبكي أن كثرة من أساطين الدين ورجالاته لم يعووا بعد حجم المتغير الهائل الذي حدث بسبب نمو الحضارة والعقل الإنساني في نظرة إنسان العصر إلى الدين وعلاقته بالإله المتسلط الغائب المجهول؛ حتى أن شاباً قد ألحد حديثاً يكتب على السوشيال ميديا: "أخيراً نمت أول ليلة مرتاح البال بعد ما اتخذت قرار الإلحاد!"
هذا النوع من التقرير يعلن بصراحة ووضوح، فشل رجال الدين الذريع في أن يقدموا صورة جيدة وعملية وجميلة للإله الذي يقودون البشر لعبادته؛ بل بالعكس قدموا الصورة النمطية القمعية للإله التي كان يخشاها إنسان الزمان الغابر، ولم يعد يخاف منها إنسان العصر، بل ويرفضها.
الخيارات محدودة جداً أمام الدين ورجاله: إما أن يقدموا خطاباً عصرياً يناسب عقل الإنسان المعاصر وصورة إيجابيه للإله، تشع بالخير والحب والجمال والتعاطف مع احتياجات ومشاكل الإنسان؛ أو أن ينتظروا جميعاً على اختلاف أديانهم، المصير الذي لاقاه الدين ورجاله مع غيرهم من البشر على سطح هذا الكوكب، في أماكن آخرى من العالم!
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "التفكير ليس ممنوعًا" اضغط عالرابط التالي