الصورة التي عكسها لنا العهد القديم عن الله كانت غامضة جدا؛ حتي أن أشعياء النبي يهتف قائلا: حقا أنت إله محتجب يا إله إسرائيل! وموسي النبي يطلب لحظة معاينة ولا يسمح له بها؛ بل كان الرد هو: لا يراني الإنسان ويعيش!
فإذا كان هذا هو حال الأنبياء الذين قادوا البشرية إلي الإيمان بالله وعبادته؛ فماذا يكون حال القاعدة العريضة من الناس؛ وماذا يعرفون عن الله؟!
الوسيلة المتاحة لضبط علاقة البشر بالله وببعضهم البعض كانت هي الشريعه؛ التي أضطرت أن تكون في بعض الأحيان قاسية جدا للحفاظ علي المجموع في إطار عقد إجتماعي مقبول ومنظم؛ إلا أن هذه القسوة الانضباطية المهمة ضاعفت من بعد المسافة بين الله والإنسان؛ ولم تقربها!
إن قراآتنا لتاريخ العهد القديم تحكي مسلسلًا غير منتهي من الحروب والقتال بين الشعوب والقتل والموت الذي يحسم كل الصراعات أو الأحكام علي البشر؛ في إعلان واضح لا تخطئه أبدا العين الثاقبة؛ بسيادة الموت علي الخليقة.
أراد الله أن يعلن ويظهر نفسه علي حقيقيته للإنسان؛ وماذا لو إتخذ الله مكان الإنسان كيف سيواجه ما يواجهه الإنسان؟ وكيف سيصنع من ضعفنا الإنساني وواقعه؛ نسخة جديدة تصلح أن تكون مثالًا يحتذي به وإيقونة لعلاقة الله بالإنسان؛ وللإجابة علي السؤال ماذا لو وضع الله نفسه في مكان الإنسان؛ كإنسان؟
هذا هو معني التجسد؛ أن الله قد تنازل إلي واقعنا؛ وحل بيننا؛ وواجه ضعفنا وأنتصر لنا عليه؛ وشفي أمراضنا وأقام موتانا وطهرنا من برصنا ومن بؤسنا وكذلك صنع تطهيرا لخطايانا؛ وترك لنا هذه النسخه من الإنسانية الغالبة؛ لتكون عطية لنا نتغير بها إلي تلك الصورة عينها
ورأينا مجده؛ كما لوحيد من الآب أي له كل مجد الله "أنا في الآب والآب فيَّ".