القديس إغريغوريوس الناطق بالإلهيات؛ يدحض الغباء المتناهي لفكرة تقديم المسيح نفسه فدية لله الآب لإرضاء عدله وغضبه بقوله: نحن لم نكن أسري عند الآب؛ حتي تقدم الفدية لله الآب! ولو قلنا أن الفدية قدمت للشيطان؛ فما أبشع هذا القول؛ أن تقدم الفدية للمجرم؛ وما هي الفدية المقدمة له؛ إنها الله نفسه!!!
والإجابة علي السؤال الذي طرحه القديس غريغوريوس ولَم يجبه ؛ أجابه صديقه القديس باسيليوس الكبير في قداسه الالهي : " قدم نفسه فدية عنا إلى الموت الذي تملك علينا "ومن ثم إذ أبطل الموت (٢تي١٠/١) الذي تملك علينا ؛ فقد فكنا من قيد عبودية سلطانه إلى الحرية؛ ثم أعطانا روح الحياة وقوة القيامة بقيامته فصرنا به أبناءً وورثة ؛ ولكن مايزال السؤال يحتاج إلى إعلان : كيف حمل خطاياي في جسده علي الخشبة؟
وبدايه الفهم تبدأ من التحول في فهم وتعريف الخطية بلغة العهد القديم ؛ من كونها تعدي الشريعه؛ إلى فهم العهد الجديد؛ إلى كونها الخطية الساكنه فيَّ؛ التي تعمل فيَّ بالموت (رو٥/٧) الخطية الساكنة في جسدي بالشهوة ؛ وفي مشاعري بالخوف والبغضه وفي إرادتي بالأنانية والانتقام والقتل ؛ إذن فقوة الخطية بالموت كانت ساكنة في كياني الإنساني العميق؛ والظاهر؛ بالأفكار والأعمال الشريرة؛ التي هي طاعة مشيئة إبليس !
فلما جاء وقت عشاء الفصح وجلس من حوله تلاميذه ليأكلوا الفصح معه ؛ كان الوقت قد حان لكي يعلن قبوله للموت بإرادته ؛ ويمدد أمامهم علي المائدة خروف فصح عهده الجديد ؛ حتي أنه حينما قال خذوا كلوا هذا هو جسدي ؛ ثم إشربوا هذا دمي ؛ كان هذا هو إعلان قبوله الموت بإرادته ؛ حتي أنه لا يمكن أن يقول إنسان عن نفسه: هذا جسدي وهذا دمي منفصلين عن بعضهما ! إلا بالموت وتصفية الدم من الجسد ؛ لقد فتح الباب وأَذِنَ للموت أن يدخل إليه بإرادته! الذي كان لابد أن يتمم ظاهريًا بالخيانة وحسد الكراهية بالصلب؛ بينما كان يتمم فعليًا وجوهريًا بتقديم نفسه لتلاميذه مذبوحًا بخطاياهم ؛
لقد إتجه بالحب الفائق ذاك الذي قدم نفسه بروح أزلي؛ نحو كل واحد منهم معطيا نفسه بالمحبة لكل واحد منهم؛ هذا العطاء للنفس بالحب من العريس السمائي لعروسه بالروح القدس؛ هو الذي جعل خطاياها الساكنة فيها بالموت؛ تنتقل منها إليه؛ من نفسها إلى نفسه؛ فتصبح بها حزينة حزن الموت؛ ومن جسدها إلى جسده؛ فتصبح خطاياها الساكنة في جسدها بكل مرارة الموت موضوعة على جسده؛ فيدخل بها إلى المواجهة مع موتنا وخطايانا؛ فيبطلهما ويغلبهما بذبيحة نفسه؛ صانعًا لنا خلاصاً وفداء ً أبدياً؛ لكل الذين يتقدمون به إلى الله؛ لم يكن التلاميذ وحدهم الجالسين حوله؛ بل كانت البشرية كلها؛ وكنت أنا هناك ! يعرفني ويحبني ويعطيني نفسه علي بعد السنين ! وكان أيضا؛ جالسا معنا علي نفس المائدة يهوذا؛ الذي رفض المحبة التي تحمل عنه موته وتخلصه منه ؛ فقام عن العشاء وكمل مشورة الموت؛ وبه شنق نفسه وهلك !
فالمسيح قدم نفسه بإرادته لعروسه وقبل موتها في جسده؛ في عشاء فصح محبته؛ ثم خرج بعد العشاء وهو عالم بكل ما سيأتي عليه؛ وأنه ستتم النبوات بتنفيذ ما قبله بإرادته؛ بأيدي الآثمة علي الصليب ! آخر ملحوظتين أن لنجينوس القائد الروماني الذي طعنه بالحربة؛ طارت نقطة من دمه الطاهر الي عينه المصابة في الحروب فأبرأتها ! ويوسابيوس القيصري يؤكد في كتابه تاريخ الكنيسة ؛ أن بيلاطس البنطي آمن بالمسيح وصار أسقفًا!