كانت البداية مبكرة جدا ؛ فبعمر ١٥ سنة كنت أحفظ صلوات الأجبية النهارية الستة؛ وكنت قد إنتهيت من قراءة كل أسفار العهد القديم التاريخية وقارنتها بسفر أعمال الرسل؛ وبدأ يتبلور سؤالاً متحديا جدا في داخلي مع نهاية المرحلة الثانوية:هل يمكن أن تتكرر هذه الأحداث مرة أخري وبطريقة معاصرة ؟! مادام هو أمسا و اليوم وإلي الابد ! و إلا فما هو البرهان علي حقيقتها إن لم تكن قابلة للتكرار ؟
الصورة الذهنية التي رسمت في خيال شاب صغير مثلي ؛ هي أن في الدير قوم أدركوا سر الحياة و عندهم الاجابة؛ و لكنني أصغر من أن ألتحق بالدير ! فكان الحل الوحيد أمامي هو ملكوت الاكليريكيه السعيد ! لكي أُصدم صدمة عمري في هذه السن المبكرة بالحقيقة المرة لواقع الاكليريكية و الكنيسة و الرهبنة! لكن هذه الصدمة القوية كانت مهمة و ضرورية جدا لتعميق إيماني في البحث عن الحقيقة الغائبة من ناحية؛ و أن أكفر بالإنسان كفراً بائناً من الناحية الأخري !
هذا آل في السنة الاولي لتخرجي ؛ إلي إعتلال صحتي و إنهزام نفسيتي! لكن الصدمة والانهيار و الألم أثمروا معا إكتشاف الطريق ؛ لقد كان هو يسوع المسيح الحقيقي وروحه القدوس العامل في الكنيسة ! و كانت هذه هي نقطة بداية جديدة لرحلة و حياة جديدة تماما .
أقول الصدق للتاريخ أمام الذي يدين الأحياء والاموات؛ ولمنفعة السائرين في طريق السعي وراء الحقيقة: لم يمر أكثر من عام و نصف العام علي إكتشاف الحق والحقيقة؛ وكانت مجلة مرقس تصدر بابا بعنوان إختبارات مسيحية معاصرة ؛ و كنت قد كتبت فيه إختباري هذا؛ حتي أرسل المرحوم نسخة من مجلة مرقس المدون بها إختباري إلي حبيبي في المسيح الراحل الأنبا يوأنس أسقف الغربية ؛ مصحوبا بتعليمات بإعفائي من الخدمة بناء علي هذا الذي كتبته !
لا يظن أحدًا أنني أمزح أو أبالغ ؛ فقد غمرني فرح لا يوصف و أنا أغادر المطرانية بهذا الظلم اللا معقول ! لأنني فعليا كنت قد إكتشفت حقيقته مبكرا جداً ؛و بنفس الآن كنت قد وجدت المسيح الحقيقي و عرفت طريقي إليه!
الحرية من نير العبودية إختبار مذهل؛ وكذلك الاتكال علي الرب أن يرعي ويعول ويعتني ويسند؛ إختبار أكثر روعة وإذهالا ! و فوق هذا كله أفقت من كابوس كان يهددني باليأس من الطريق ؛إلي رحابة البحث من جديد وبلا قيود عن الهدف الأول الذي حملني إلي الاكليريكيه:
هل يمكن إستعادة صورة الكنيسة الأولي وسلطان المسيح فيها مرة أخري؛ و بطريقة معاصرة ؟
قلت لنفسي أخرجوك الي الشارع؛فإلي الشارع تذهب؛ فكنت أجول في الشوارع أوزع الأناجيل علي المارة و أُبشر بالمسيح ؛ وجدني حبيبي في المسيح د. نصحي عبد الشهيد؛ وحيدا ! فدعاني إلي بيت التكريس و هكذا صرت معه إلي سنوات ؛لم يبرح مخيلتي فيها حلم : كنيسة أعمال الرسل ! حتي إختمر القرار الجرئ الذي لم ولن يوافق عليه أحد في قلبي؛ أن أبدأ مع مجموعتي الصغيرة من الأسر و الشباب مسيرة تحقيق كنيسة أعمال الرسل !
إستأذنت معلمي العزيز في أن أغادر بيت التكريس ؛ لأبدأ رحلة البحث عن الكنيسة والحقيقة ؛ بعيدا عن كل شيء وكل إنسان! ولكن بعدما إستقرت بي الأحوال وجدتني أنفصل مع تلاميذي بالتدريج عن الحياة الأرثوذكسية! ففكرت أن أدخل من بوابة الدراسة اللاهوتية الي شركة الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية؛ و كانت البداية من معهد القديس إيلياس للاهوت الآباء في نبراسكا بأميركا ؛ ومنه وبه الي الرسامة حتي تبلورت كنيسة القديس أثناسيوس ؛ يتبقي السؤال الاساسي الذي بدأت به الرحلة: هل أمكن العثور علي الكنيسة الأولي ؟! (يتبع)