علي الرغم من عدم إتفاقي مع فكرة المثل الشعبي الذي نقوله في مصر: "ربنا وزع الارزاق ماحدش عاجبه رزقه ؛ و وزع العقول كل واحد عاجبه عقله !" إلا أن هذا المثل يجسد واقعيا (من وجهة نظري) حالة الإنهيار الأخلاقي الذي إنتهي إليه الإنسان! ومن هنا يبدأ الإصلاح ؛ من تفكيك و إعادة بناء المبادئ التي ترسخت علي مدي السنين في ضمير هذا المجتمع .
وأما نقدي لهذا المثل فسببه: أنه يلقي باللوم علي الله ؛بسلبية و انهزامية أنه سبب إخفاقاته بدلا من مواجهتها ؛ فالله هو الذي أراد له أن يكون فقيرًا وهو الذي يعطيه رزقا قليلا! يدحض هذا كم المشاهير الذين ولدوا في أسر فقيرة جدا؛وصاروا من أنجح وأغني رجال الاعمال لاحقا! أو نابغة الفيزياء أينشتاين الذي نظر إليه يوما كتلميذ فاشل! وما خلق الله الإنسان إلا علي أحسن تقويم؛ وبحسب سفر التكوين : " علي صورة الله" ومن ثم فهو يستطيع أن يقاوم ويقوم الواقع السلبي الذي وضع فيه لأي أسباب ويصنع الحلم والتغيير .
لكن إعجابي بهذا المثل فهو في دقة توصيفه لغباء الكبرياء الإنساني؛ وللموروث التواكلي الانهزامي و بخداع تغليفه بإسم الله والدين !
ويتفوق علي غباءه ؛ بغباء تحميل مسؤولية إحباطاته لقوة خفية لا قهر ؛ وينسب إليها الظلم ليبرر لنفسه فشله! ثم ليقنع نفسه بأن ذكائه أعلي من ذكاء غيره بما يجعله قادرا علي الحكم علي خالق الذكاء نفسه !
كان لي زميلا نابها في دفعتي ؛ وكان هو الوحيد الذي أفلت من القبضة الحديدية ؛ وجاء هنا إلي أميركا بتكليف رسمي من الكنيسة وأنجز دراسة الدكتوراه في لاهوت الآباء ؛ثم رسم كاهنا هنا في أميركا في ولاية مجاورة لنا ؛ وفي يوم من الأيام ألقي عظة في كنيسته ردد فيها أقوال القديس أثناسيوس؛ ومن ثم إستدعاه البطريرك الراحل إلي القاهرة للتحقيق معه فيما قاله ؛ فأجاب الزميل العالم بكل تواضع وأدب " أنا لم أقل شيئا من عندي؛ هذا تعليم القديس أثناسيوس بطريرك الكنيسة العشرون" فاجابه الراحل: "أثناسيوس بطرك وأنا بطرك!" ليس فقط مساويا نفسه بالقديس أثناسيوس؛ بل أنه نصب نفسه مرجعية للتعليم أعلي من أثناسيوس! وقادر علي إلغاء تعليم إثناسيوس وإحلال رأيه مكانه وفرضه علي عالم اللاهوت وعلي الكنيسة بسلطان البطش والتشريد للإكليروس !
فهل عرفتم الآن ما هو غباء الكبرياء الإنساني الذي يجعل الإنسان معجباً بعقله؟ وهل أدركتم الآن سبب الانهيار الاخلاقي والفكري والمعرفي الذي أصاب كنيستنا العريقة ومن أين بدأ و كيف تمدد؛ من واحد عاجبه عقله! جعل من نفسه مرجعية للفكر والتعليم بغير جذور لاهوتية ولا آبائية ؛ ثم ترك لنا ؛ نسلا من الجهلة؛ ينعقون في كنيسة المسيح تشويها وتخريبا و قبحا! ثم يكونون جبهة إنشقاقية علي لاهوت آباء الكنيسة بإحلال بطركهم مكانهم؛ تعليماً وتشيعاً ؛ بالانقسام والمقاومة الفجة والوقحة للبابا الحالي للكنيسة؛ الذي يريد أن يحافظ علي الكنيسة في ميراث آبائها .
لما إغتالوا الشهيد أنبا إبيفانيوس؛ واليوم بالمناسبة هو ذكري إستشهاده الكريم ؛ فلما تصديت للجريمة بكل قوة ؛ خاطبني أحدهم علي الميديا بكل أدب علي غير المعتاد يقول لي : "أنت تركت الكنيسة القبطية وذهبت إلي كنيسة أخري ؛ فمن فضلك دعنا لبعضنا! "
لأنهم إعتادوا من وقت المرحوم علي السلبية وعدم المقاومة من الاتقياء؛ فأستساغوا ؛ سفك دمائهم وإضطهادهم معنوياً بالتشهير والتحريم؛ وقتلا بالماسورة ! لا أعرف من الذي رباكم علي هذا الجبن؟! حتي أوصلوا الكنيسة إلي هذا المستوي من التخريب؟ وهل كانت هذه هي سيرة أثناسيوس ولغة كتباته ضد الاشرار؛ أو كانت هذه سيرة كيرلس عمود الدين؟!
لقد فصل الرجل نفسه عن التسليم الرسولي والابائي وأعلن بوضوح إنقلابه علي تعليم أثناسيوس صراحة؛ بقوله أثناسيوس بطرك وأنا بطرك! والزم الكاهن بألا يعلم كلام أثناسيوس مرة أخري في كنيسة أثناسيوس نفسه! وهكذا فصل تلاميذه أنفسهم عن الكنيسة المقدسة بتشيعهم له ضد تعليم أثناسيوس حتي بعد موته! فهل يجوز لهؤلاء أن ينسبوا أنفسهم إلي الكنيسة. وأن يسمح لهم بتكميل مشوار أبيهم؟!
نحن تلاميذ وكنيسة أثناسيوس و البابا الحالي هو خليفة أثناسيوس وتلميذ آباء كنيسة أثناسيوس؛ و أما هم فنسل وتلاميذ من صرح
بكل جرأة " أثناسيوس بطرك وأنا بطرك" هم ليسوا أبناء أثناسيوس ولا يمثلون كنيسته ولا يعرفون لاهوته! هم أبناء إبيهم الذي زرع الانشقاق في كنيسة الإسكندرية؛ وهم منشقون معه عنا ؛وعن كنيسة أثناسيوس وعن كرسي الاسكندرية المتسلسل والمتتلمذ عن أثناسيوس ؛ وأنا كذلك غير متنازل عن ميراثي في كنيسة أثناسيوس!
لقد حان وقت إسترداد كنيسة المسيح الي ربها ومسيحها؛ ووقت إسترادد كنيسة أثناسيوس إلي أثناسيوس؛ وكنيسة الآباء إلي آبائها من براثن متشيعي واحد عاجبه عقله .