لَمَّا كُنتُ طِفْلًا صَغِيرًا، كُنتُ أَسْأَلُ أُمِّي: أَيْنَ هُوَ الله؟ هَلْ يُمْكِنُنِي أَنْ أَرَاه؟ وَلَمْ أَكُنْ أَدْرِي أَنَّ طُمُوحِي الطُّفُولِيَّ لِرُؤْيَةِ اللهِ وَالتَّعَرُّفِ عَلَيْهِ كَانَ هُوَ طُمُوحَ البَشَرِيَّةِ مُنْذُ القِدَم؛ فَقَبْلَ أَنْ يَقُولَ فِيلِبُّسُ لِلْمَسِيحِ: أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا، كَانَ مُوسَى النَّبِيُّ قَبْلَهَا بِآلَافِ السِّنِينَ يَطْلُبُ مِنَ اللهِ: "أَرِنِي مَجْدَكَ" (خر 33: 18). لَكِنَّ الإِجَابَةَ كَانَتْ: "لَا تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لِأَنَّ الإِنْسَانَ لَا يَرَانِي وَيَعِيشُ" (خر 33: 20).
رَدُّ المَسِيحِ عَلَى طَلَبِ فِيلِبُّسَ جَاءَ مُغَايِرًا لِرَدِّ اللهِ عَلَى مُوسَى النَّبِيِّ؛ فَقَدْ كَانَتْ إِجَابَةُ المَسِيحِ إِشَارَةً مُبَاشِرَةً إِلَى نُبُوءَةِ أَشَعْيَاءَ: "هَا العَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ" (إش 7: 14). إِنَّ عِمَّانُوئِيلَ مَعْنَاهَا أَنَّ اللهَ قَدْ صَارَ مَعَنَا: حَلَّ بَيْنَنَا، أَنْ الكَلِمَةَ صَارَ لَهُ جَسَدًا، أَنَّ النُّورَ الأَزَلِيَّ الَّذِي لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَرَاهُ، الآَنَ ظَهَرَ فِي الجَسَد، وَاسْتَطَاعَ الإِنْسَانُ أَنْ يَهْتِفَ: رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا وَلَمَسْنَاهُ بِأَيْدِينَا.
كُنتُ أَدْرُسُ وَأُفَكِّرُ وَأَتَأَمَّلُ فِي مَعْنَى عِبَارَاتِ المَسِيحِ المَجْدُ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ: مَا هُوَ مَجْدُ الله؟ وَكَيْفَ أَعْطَاهُ المَسِيحُ لِلإِنْسَان؟ حَتَّى تَوَاجَهْتُ بِبَسَاطَةٍ مَعَ عِبَارَةِ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا وَهُوَ يَصِفُ التَّجَسُّدَ: "وَالكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ" (يو 1: 14). وَهَكَذَا فَهِمْتُ أَنَّ مَجْدَ اللهِ الَّذِي أَعْطَاهُ المَسِيحُ لِلإِنْسَانِ هُوَ: أَنْ نَكُونَ مِثْلَهُ، أَنْ نَتَغَيَّرَ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، أَنْ يَكُونَ هُوَ بَيْنَنَا أَخًا بَكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ.
إِنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ ظَهَرَ بِالتَّجَسُّدِ، فَرَأَيْنَا مَجْدَهُ يَعْكِسُ صُورَةَ مَجْدِ اللهِ وَمَحَبَّتِهِ: "لَا يَصِيحُ وَلَا يَرْتَفِعُ وَلَا يُسْمِعُ أَحَدًا فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ، قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لَا يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لَا يُطْفِئُ." (مت 12: 20) يَشْفِي المَرْضَى، يُعَزِّي الحَزَانَى، يُطَهِّرُ البُرْصَ، يُجَالِسُ الخُطَاةَ وَالمَنْبُوذِينَ وَالمُحْتَقَرِينَ، وَيُخَلِّصُ المُتَلَبِّسَةَ بِالرَّجْمِ، وَيُشْبِعُ الجِيَاعَ، وَيُحَرِّرُ المَأْسُورِينَ مِنْ قُيُودِ البَشَرِ وَالشَّيَاطِينِ.
لِذَلِكَ أَجَابَ فِيلِبُّسَ لَمَّا سَأَلَهُ: أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا: كُلُّ هَذَا الزَّمَانِ معكم وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلِبُّس؟. هَلْ إِجَابَةُ المَسِيحِ لَهُ المَجْدُ مَعْنَاهَا أَنَّهُ الآبُ الَّذِي لَا يُرَى وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطّ؟ بَلْ مَعْنَاهَا أَنَّهُ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ المَنْظُور - "بَهَاءُ مَجْدِهِ وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ" (عب 1: 3).
فَهَذِهِ هِيَ عَطِيَّةُ التَّجَسُّدِ: أَنَّ اللهَ صَارَ مَعَنَا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ فِي وَجْهِ يَسُوعَ المَسِيح؛ بَلْ إِنَّ هَذَا المَجْدَ صَارَ مَمْنُوحًا لِلإِنْسَان، لِلْبَشَرِ الَّذِينَ يَدْعُوهُمْ إِخْوَتَهُ؛ لِكُلِّ مَنْ يَقْبَلُهُ وَيَفْتَحُ لَهُ فَيَدْخُلُ بِنُورِهِ إِلَى رُوحِ الإِنْسَانِ وَقَلْبِهِ - وَيُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ (يو 1: 9).
أُهَنِّئُ نَفْسِي وَأُهَنِّئُكُمْ: أَنَّ الكَلِمَةَ صَارَ جَسَدًا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ.
عِيدُ مِيلَادٍ مَجِيد، وَسَنَةٌ سَعِيدَة.
بنسلفانيا – أمريكا
١٨ ديسمبر ٢٠٢٥
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "لاهوت العهد الجديد" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/NewTestamentTheology