رأيٌ في الأحداث (٧٧) | سُلطةُ الدّينِ ولا منطِقيّةُ الإيمان
Dec 11, 2025 3
980 79

رأيٌ في الأحداث (٧٧) | سُلطةُ الدّينِ ولا منطِقيّةُ الإيمان

خلطُ الدّينِ بالسياسةِ، ودخولُ السياسةِ إلى الإيمانِ؛ أمرٌ سابقٌ على إيمان الإمبراطور قسطنطين الكبير بالمسيحيّة، وعلى مرسوم ميلان للتسامح الديني سنة ٣١٣م؛ إذ تطالعنا التوراة في سفر التثنية بأوامر إلهية للحروب والغزوات، والاستيلاء على أراضي الآخرين، وسبي النساء والأطفال (تث 20: 13-14)، وكذلك تطالعنا في (تث 13: 9) بأوامر الشريعة المنسوبة أيضًا للإله بقتل المرتدّ عن الإيمان.
فمَن يحظى بإيمان الإمبراطور، ينال السلطة، ومَن يخرج على إيمان موسى النبي وشعب إسرائيل يفقد حياته: فلم يعد ذلك إيمانًا، بل صار إذعانًا وقهرًا وإرهابًا، حتى وإن كان ذلك الأمر مُقنعًا لبشرية ما قبل المسيح، أو للكنيسة المضطهدة على مدى ثلاثة قرون متصلة وقد تعطشت للسلام والرضا الإمبراطوري؛ لكنه لم يعد مقنعًا بأي حال من الأحوال لإنسان الحداثة وما بعد عصر التنوير.
إن انتشار الإلحاد في العالم في الآونة الأخيرة كان ليقضي على ما تبقى من مظاهر الإيمان في قارات العالم الحر، لو استمر نهج التمسك بالقديم كأقوال الله في الكنائس المسيحية. ولكن ما حدث في العقد الأخير مختلفٌ تمامًا، إذ أن الشباب الذين ثاروا على سلطة الدين ولا منطقية الإيمان، هم أنفسهم الذين بدأوا يشكلون حركاتٍ ثوريةً تنويريةً تستعيد نقاء الإيمان وإنسانيته قبل ألوهيته؛ حتى أن هذه الحركات استطاعت أن تنتشر بسرعة بين الشباب في كل أنحاء العالم، بما في ذلك البلدان التي فرضت حجابًا حديديًا من القهر وقتل المرتد، في عصورٍ تزدهر فيها حرية الفكر والإنسان.
النظرةُ الاستعلائيّةُ إلى الملحدين على اعتبار أنهم كفارٌ بثوابت الإيمان، وخارجون على إجماع الأمة، قد أثمرت نتائج عكسية في أعين الشبابِ الذين يطرحون أسئلةً منطقيّةً وعقلانيةً على الدّين ورجاله، ولكنهم لا يجدون أي إجاباتٍ شافية: فكيف يكون الإله قاسيًا وغير منطقي، يذبح الأطفال، ويقتل مَن يختار إيمانه بإرادته الحرّة؟ ويطرحون سؤالًا منطقيًا: لماذا خلق اللهُ الإنسانَ عاقلًا وذو إرادةٍ حرّة، إذا كان الإله يريد أن يلغي حرية إرادته وحرية العقل؟
فهل وصلنا في القرن الحادي والعشرين، بعد اختراع الإنترنت والساتلايت، إلى ثورةٍ المراجعةِ لأنسنةِ وعصرنةِ وعقلنةِ فهم الإنسان للدين والإيمان؟ أم أننا صِرْنَا إلى عصرِ تسلّطِ الدينِ ولا منطقيّةِ الإيمان؟! برأيي، لا مفرَّ من المواجهة مع أعمالِ العقلِ، وعصرنةِ الدّينِ، وحريةِ الإيمان.

بنسلفانيا – أمريكا
١٢ ديسمبر ٢٠٢٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath

Powered By GSTV