لاهوت العهد الجديد (۳۱) | اذْهَبُوا عَنِّي إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ
Dec 07, 2025 12
980 79

لاهوت العهد الجديد (۳۱) | اذْهَبُوا عَنِّي إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ

الموروثُ اليهوديُّ التلموديُّ الذي انتشر بين المسيحيين: أنَّ اللهَ سيُعاقِبُ البشرَ العُصاةَ انتقامًا بإلقائهم في نارٍ أبدية، مستندًا إلى أن المسيحُ له المجدُ استخدمَ عباراتِ نبوَّةِ أشعياء: "حَيْثُ دُودُهُمْ لاَ يَمُوتُ وَالنَّارُ لاَ تُطْفَأُ." (مر ٩: ٤٦)، واستعانَ بالتشبيهِ الاستعاري عن وادي ابنِ هِنُّومَ المستعرِ بالنيرانِ المتقدة في النفايات ("جي هنوم"... "جهنم")؛ لكنه لمْ يقلْ أبدًا إنَّ الآبَ السماويَّ هو من يُلقي البشر في النارِ الأبديةِ أو في جهنم، إنَّما استعملَ صيغةَ المبني للمجهول: "يُلقى في جهنم".

العبارةُ الواضحةُ التي تظهرُ في (متَّى ٢٥: ٤١)، في مثلِ المجيءِ الثاني والدينونةِ: "فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ" (مت ٢٥: ٣٢)، ويقولُ للمختارين: "... تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ." (مت ٢٥: ٣٤)، ثم يقولُ للآخرين: "... اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلَائِكَتِهِ" (مت ٢٥: ٤١).

في هذا المثل، لم يقل المسيحُ إنه يأمر بإلقائهم في النارِ التي تخص إبليس وملائكته، بل قال للمختارين في المثل: "تَعَالَوْا"، وقال للآخرين "اذْهَبُوا عَنِّي": إن عبارتي "تَعَالَوْا"، و"اذْهَبُوا عَنِّي": هما عبارتان كاشفتان عن معنى يومِ الدينونة: إذ إنه الوقتُ الذي يَكتمِلُ فيه أناةُ وانتظارُ الآبِ السماويِّ لعودةِ الابنِ الضال؛ وهو في الوقتِ ذاته وقتُ الدينونة، أي الفصلُ بينَ من اختارَ النورَ والحياةَ، ومن اختارَ الظلمةَ والموتَ؛ أي اكتمالُ المحبةِ في عبارةِ "تَعالوا "، والفصلُ بينَ المُحبِّينَ والرافضينَ في عبارةِ: اذْهَبُوا عنّي إلى إبليس والظلمةِ التي اخترتموها بأنفسِكم.

يقول القديس إيرينيئوس أسقف ليون: "مَن يستمرُّونَ في حبهم نحو الله، يمنحهم الشركةَ معه؛ فالشركةُ مع اللهِ هي حياةٌ ونورٌ، والتمتُّعُ بجميعِ النعمِ التي أعدها. أما كلُّ مَن يبتعدون عن الله -بحسب اختيارهم- فإنهم بذلك ينفصلون عنه بإرادتهم الحرَّة. والانفصالُ عن النورِ هو ظلمةٌ، والانفصالُ عن اللهِ هو موتٌ.
إنَّ اللهَ لا يُعاقبهم على الفورِ من تلقاءِ نفسه، بل إنَّ هذه العقوبةَ تقعُ عليهم لأنهم
محرومون من كلِّ ما هو خيرٌ. فالأشياءُ الجيدةُ أبدية ولا نهاية لها مع الله، وبالتالي فإنَّ فقدانَ هذه أيضًا أبديٌّ ولا نهايةَ له. ولهذا يقول الربُّ: "... الَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ." (يو 3: 18)؛ أي أنه انفصل عن اللهِ من تلقاء نفسه. "وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ. وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللهِ مَعْمُولَةٌ." (يو 3: 19-21)."

Against Heresies. Bk.V. Ch.23-36
St. Irenaeus of Lyons, Chapter XXVII.

بنسلفانيا – أمريكا

۷ ديسمبر ۲۰۲٥

 

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "لاهوت العهد الجديد" اضغط على الرابط التالي:

https://anbamaximus.org/articles/NewTestamentTheology


Powered By GSTV