في عظاته الخمسون يقول القديس مكاريوس الكبير؛ شارحاً كيف تحدث القوات الإلهية بنطق نبوي من فم الإنسان؛ كما في قصة إيليا والمطر (١مل ١٧) أن إيليا رأي بإلهام في الروح القدس؛ أن شر هذا الشعب قد تعاظم بدرجة تستحق التأديب والردع للرجوع؛ بأن يتوقف المطر ويكون جفافاً؛ فنطق بالروح وقال: لا يكون مطر ولا طل إلا عند قولي؛ فكان! ومن ثم فبعد نزول النار الإلهية ورجوع الشعب؛ رأي أيضا في الروح إستجابة التوبة فصلي من أجل نزول المطر؛ فنزل المطر!
هذا الشرح الوافي العميق لما يحدث فيما وراء المنظور؛ يشرح لنا سر العلاقة الحميمة والعميقة بين الله وقديسيه التي تجعل من الإنسان خليلاً لله؛ حتي يقول في سفر التكوين (تك ١٧/١٨) "هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله!" أو كما يقول في (عا٧/٣) "إن السيد الرب لا يصنع أمرًا إلا وهو يعلن سره لعبيده الانبياء" ونستطيع أيضا أن نري حميمية هذه العلاقة بين الله والإنسان أيضا في ( أر١٩/١٥) "إن رجعت أرجعك فتقف أمامي وإذا أخرجت الثمين من المرزول؛ فمثل فمي تكون؛ هم يرجعون إليك وأنت فلا ترجع إليهم"
فهل معني هذا أن الإنسان في هذه الحالة هو مجرد بوق يعلن ما هي إرادة الله النافذه؛ أم أنه مشارك بالشفاعة وبالسلطان والتفويض المدفوع إليه أصلاً من الله في محبته؟ الإجابة واضحة في قصة أبونا إبراهيم وشفاعته في لوط وسدوم وعمورة (تك ١٨) أن للإنسان دور بالشفاعة تبعا للسلطان والتكليف المدفوع إليه من الله.
هذه المحبة والشركة الحميمة بين الله والإنسان تتبلور بصورة أعمق في العهد الجديد حينما يقول الرب يسوع المسيح له المجد: "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضا ويعمل أعظم منها لأني ماض إلي أبي" (يو ١٢/١٤)
الأجيال الجديدة التي تربت على فكرة سطحية عن الإيمان بالمسيح؛ أو التي إنفصلت بحكم واقع الضعف الشديد الذي أصاب الحياة المسيحية والنسكية؛ عن معايشة رجال الله الموشحين بسلطان الروح القدس؛ أصبحوا لا يعرفون ولا يتصورون كيف يستعلن سلطان الله في قديسيه لتحقيق مشيئته؛ وإستجابته لطلبات قديسيه في تغيير الواقع وإستعلان محبته وسلطانه في كنيسته؛ وأيضا قضاؤه!
تدخل الله بسلطانه ومحبته لإنقاذ كنيسته وشعبه من الحالة المحزنة؛ التي أوصلها إليها رعاة "ذئاب خاطفة" رعوا أنفسهم ولم يشفقوا على الرعية؛ يستوجب وجود ركب شفاعية ساهرة بسلطان الروح القدس؛ حتي ينطقوا بمشيئة الله لخلاص الشعب؛ وأيضا بقضاء هلاك الأشرار؛ وهذه هي نار إيليا التي تنزل من السماء لتتميم مشيئة الرب؛ ولكي يحول قلوب هذا الشعب رجوعا إليه.
فحينما يصل الأمر بشعب الرب إلى الأرتداد وخداع الضلال؛ حتي أنهم كانوا متأكدين ومقتنعين أن البعل هو الله! كما كانوا في أيام إيليا؛فحينئذ تكون شفاعة الركب التي لم تنحني للبعل؛ هي المفتاح الذي يستخدمه الرب لخلاص الشعب من فخ الضلال .