رأيٌ في الأحداث (۳۱) | الكراهية لا تفيد شيئًا !
May 18, 2025 22
980 79

رأيٌ في الأحداث (۳۱) | الكراهية لا تفيد شيئًا !

نشأتُ في مصر، في مجتمعٍ يجمع المسلمين والمسيحيين برباط التعاون، والألفة، والمودَّة. ولما كبرتُ وانخرطتُ في الدراسة اللاهوتية، اكتشفتُ أن الإنجيل يؤكّد على المحبة المسيحية إلى حدِّ التشبُّه بمحبة المسيح نفسه، تلك المحبة التي تشمل الآخرين، ليس فقط جيراني، بل هي مُنفتحة ومُطلقة إلى كلِّ إنسان؛ حتى الأعداء: "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ" (متّى ٥: ٤٤). فتماهيتُ في طاعة الإنجيل ومحبّة أهلي وجيراني المسلمين، والحقيقة أنني لم أواجه إساءة يومًا من شخصٍ مسلم، بل على العكس، كان جلُّ أصدقائي من المسلمين.

اكتشفتُ منذ وقتٍ مبكر أن العقيدة المسيحية غير واضحة في أذهان غالبية المسلمين، وأن هناك لَبْسًا كثيرًا في الأذهان، بعضه متوارث عن غير عمد، وبعضه متعمّد بواسطة بعض رجال الدين !، وبسبب المودّة المخلصة بيني وبين أصدقائي المسلمين، سألتهم: "لماذا يتصرّف هؤلاء بهذا الأسلوب العدائي، على الرغم من عدم وجود أسباب حاضرة للعداوة؟" فكانت الإجابة على النحو التالي:

  • أن هؤلاء يريدون أن يؤكّدوا على فكرة أن المسلمين يحكمون المسيحيين، وأن يشعر المسيحيون بأنهم محكومون من المسلمين.
  • أن البعض يعتقدون بأن التضييق على المسيحيين سيدفعهم إلى التخلي عن المسيحية والدخول في الإسلام.
  • أن هؤلاء المسلمين يرون أن المسلم أفضل من المسيحي، وأن المسلمين أعلى من المسيحيين... وهذا ما تبرهن عليه كثرة من القوانين.

لم تعد ظروفي تسمح لي بالتعامل مع الإنسان الطبيعي في المجتمع، ولكنني صرتُ محصورًا في التعامل مع نخبة المجتمع من المسلمين، من خلال "مؤسسة المصريين"، فلم أعد أسمع أو أرى ما كتبته عاليه، بل عدتُ أرى روعة وجمال الشخصية المصرية التي كنت أعرفها شابًّا صغيرًا. وتوّج هذا بسعي الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى إقرار المساواة، وحل مشكلة بناء الكنائس، فلم أعد أسمع أصوات الكراهية في مصر حتى عام ٢٠٢٢ تقريبًا.

لا أعرف ما الذي حدث حتى عاد نعيق الكراهية ينبث في المجتمع من جديد، وحتى أنا شخصيًّا، في هذه السن، واجهتُ تحرشًا من أحدهم، فكتبت عن هذا الشخص على صفحة الرئيس، وأُعيد إليَّ حقي. ولم أفهم ماذا يحدث في مصر حتى بدأ يخرج إلى العلن تحرشًا واضحًا بالمسيحيين فعلًا ولفظًا؛ والملاحظ أن رجال الدين المسلمين الرسميين ما يزالون على خطابهم الوقور نحو المسيحيين: فمن يكون إذن وراء هذه التحركات الخبيثة في المجتمع المصري؟

هذا الأسلوبُ القبيحُ من الاستعلاءِ الدينيِّ على الآخرينَ يضرُّ الدينَ نفسَه، ويُلصِقُ به قُبحَ المُستَعْليينَ باسمِ الدين. فلم نعد نعيشُ في عصورِ القمعِ والإرهاب، بل في عصرِ حريةِ الرأيِ والاختيار؛ أمّا الخاسرُ الأكبرُ من فتنةِ الأغبياءِ فهو الوطنُ نفسُه، وسلامُهُ واستقرارُهُ وقدرتُه على مواجهةِ المعركةِ المُحتملة.

أمّا تحذيري الأخير فهو إلى أغبياء المسيحيين – أعني الذين يحملون زورًا اسم المسيح – لأنهم لو كانوا مسيحيين بالحق، لما استُفزّوا بمؤامرة الأشرار، ولا أجابوا على الشر بالشر: "لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ." (رو 12: 21)، "وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ." (رو 12: 2)
فجميعكم في قاربٍ واحدٍ هو الوطن، إذا عَطِبَ فسيغرق بكم أجمعين... فكونوا حكماء.

 

بنسلفانيا – أمريكا

۱٥ مايو ۲۰۲٥

 

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:

https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath

Powered By GSTV