ظهرتِ الحَركةُ الصُّهيونيَّةُ في بريطانيا في أواخرِ القَرنِ التاسعِ عَشر؛ كَحَركةٍ مَسيحيَّةٍ أوّلًا: تُبشِّرُ بأنَّ عَودةَ يَسوعَ المَسيحِ مِنَ السَّماءِ إلى الأرضِ، كما وَعَدَ، مَرهونةٌ بِعَودةِ اليَهودِ المُشتَّتينَ في كُلِّ العالَمِ إلى أورَشَليم، طِبقًا لِنبُوَّاتِ الأنبياءِ:
"... مُبَدِّدُ إِسْرَائِيلَ يَجْمَعُهُ وَيَحْرُسُهُ كَرَاعٍ قَطِيعَهُ... فَيَأْتُونَ وَيُرَنِّمُونَ فِي مُرْتَفَعِ صِهْيَوْنَ، وَيَجْرُونَ إِلَى جُودِ الرَّبِّ..." (إر 31: 10-12)
ثم تَلَقَّفَ اليهودُ الفِكرةَ، وأَسَّسَ عليها تِيودور هِرتزل عامَ ١٨٩٧ مَشروعَهُ الصُّهيونيَّ اليهوديَّ، بِالدَّعوةِ لعَودةِ اليَهودِ إلى أرضِهِم في فِلسطين؛ الذي أَثمرَ "وَعدَ بَلفور" سَنةَ ١٩١٧، بِتَأسيسِ وَطنٍ قَوميٍّ لليَهودِ على نِصفِ أَرضِ فِلسطين، والذي تَحقَّقَ فعليًا، وتم إعلانِ تَأسيسِ "إسرائيل" عامَ ١٩٤٨.
وعلى الرَّغمِ من مَرورِ أَكثرَ من ٧٥ عامًا على عَودةِ الشَّعبِ المُختار إلى أرضِهِ، وإعلانِ دَولةِ إسرائيل؛ فإنَّ يسوعَ المَسيحَ لم يَأتِ إلى أورَشَليم كما افترَضُوا، ولا تُوجدُ بَوادِرُ تُشي بمَجيئِه، بل العَكسُ هوَ الصَّحيح !
حتّى عيدِ الفِصْحِ اليَهوديِّ الفائتِ في أَبرِيل ٢٠٢٤، كانت أغلبيَّةُ الكَنائسِ الأَمريكيَّةِ يُبشرون، ويتوقعون عَودةَ المَسيحِ يسوعَ إلى أورَشَليم بحسب التَّعليمِ الذي نادى به "جون داربي" في أواخِرِ القَرنِ التَّاسعِ عشر؛ حتى فُوجِئُوا جَميعًا أنَّ المَسيحَ الذي يُعد لِاستِقبالهِ في أورَشَليم، وقد ذُبِحَتْ لَهُ البَقَراتُ الحَمراء: لَيسَ هوَ يسوعَ المَسيح، ولكنَّهُ "المَسيحُ ملكُ إسرائيل" المُنتَظرُ منَ اليَهود.
أعلَنَ حاخاماتُ اليَهودِ أنَّ "المَسيحَ ملكَ إسرائيل" هو إنسانٌ عاديٌّ، مَولودٌ بطريقةٍ طبيعيَّةٍ، ولهُ زَوجةٌ وأُسرةٌ، ولن يَجتَرِحَ العَجائِبَ والمُعجِزاتِ، وإنَّما فقط سيكونُ ملكَ إسرائيل، ومن أَغنَى أَغنياءِ الأرضِ، سيُقيمُ الشَّريعةَ ويَبني الهَيكَلَ الثَّالثَ، وسَيُحقِّقُ حُلمَ "إسرائيلَ الكُبرى" منَ النِّيلِ إلى الفُرات. وكان يَنبغي علينا أن نَحتَرمَ احتفالَهُم بملكِهم، وأنهم أَعلَنوا صَراحةً أنَّهُ شخصٌ آخر بِخِلافِ يسوعَ المَسيح (وهذا رَدٌّ كافٍ منهم على افتراضاتِ الصُّهيونيَّةِ المَسيحيَّة).
إلّا أنَّ حاخاماتِ اليَهودِ بدأوا بحَملةٍ تَمهيديَّةٍ مُنظَّمةٍ بالهُجومِ على المَسيحِ يسوعَ (مسيحِنا)، وليسَ من قَبيلِ "رَدِّ الإِساءةِ بالإِساءة"، فَلَم نتَعلَّمْ هَكذا من يَسوعَ المَسيح، ولكن من قَبيلِ "الرَّدِّ بالإِيضاحِ والشَّرح"، نُجيبُ: لِماذا أَعطانا المَسيحُ يسوعُ وصايا جَديدة، ولَم يُطَبِّق ناموسَ موسى؟
"سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،" (مت 5: 43-44).
الإِجابةُ والمُقارنةُ بينَ إِنجيلِ يسوعَ المَسيحِ وناموسِ موسى واضحةٌ في النَّصِّ التَّالي:
"حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا. وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ." (تث 20: 10-14).
هذا فيما يَخصُّ المُقارنةَ بين إِنجيلِ المَسيحِ وشَريعةِ "ملكِ إسرائيل"، أمَّا فيما يَخصُّ حُلمَ "منَ النِّيلِ إلى الفُرات"، فَلأهلِنا في مِصرَ مَثَلٌ يَقولونه: "الميَّه تِكذِب الغطَّاس!"
https://www.facebook.com/61559549561470/videos/9034605926645419
بنسلفانيا – أمريكا
۱٥ أبريل ۲۰۲٥
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath