أعرفُ جيدًا من دراستي للاهوت والتاريخ: أن الصراع السياسي لعب دورًا قويًا في ربط الدين بالسياسة؛ تأثيرًا وصراعًا، وأن تقسيمًا صِرَاعِيًّا سياسيًا قسم العالم أَنَاذَاكَ إلى قسمين: قسمًا شمِل مناطق نفوذ الإمبراطورية الرومانية (البيزنطية) التي ارتبطت بالمسيحية الأرثوكاثوليكية؛ بدايةً من مرسوم ميلان للتسامح الديني؛ الذي أصدره الإمبراطور قسطنطين الكبير، ثم تلاه مجمع نيقية المسكوني.
أما القسم الثاني من العالم؛ فقد تزعمه الفرس والعرب (الذين ظهر في وسطهم الإسلام)، وقد اختاروا تيار المسيحية التوحيدية؛ أي التي تؤمن بالكتاب المقدس، وبمجيء المسيح، ولكنها لا تقبل بعقيدة التجسد، ولا أن الله فيه ثلاثة أقانيم، وهكذا أرتبط الصراع السياسي بين مملكة الفرس والإمبراطورية البيزنطية بالصراع الديني، بين التوحيدين والمؤمنين بثلاثة أقانيم في الذات الإلهية الواحدة. الأمر الذي انعكس على تاريخ البشرية والأديان والعالم منذ تلك الحقبة.
معلوماتي القليلة عن الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أنه لَقَّبَ المسيح بأنه "كَلِمَةُ اللَّهِ"، وقد أُلْقِيَتْ إلى العذراء مريم، وأن هذا هو بعينه تعريف إنجيل يوحنا بالمسيح: أَنَّهُ "كَلِمَةُ اللَّهِ"؛ الذي صار جسدًا، وعند هذا الْحَدِّ من المعلومات البسيطة؛ كُنْتُ أَتَحَيَّرُ: لماذا يُكَفِّرُ المسلمون المَسِيحِيِّينَ !.
لكنني لما استغرقت في دراسة اللاهوت؛ اكتشفت أن المسيحيين لم يجيبوا على أسئلة المسلمين، فَقَدْ فُوجِئْتُ وأنا أستمع إلى فضيلة الشيخ الدكتور علي جمعة قوله: أما إذا قال المسيحيون أنه لا توجد صِلَةُ نَسَبٍ بين المسيح والله فقد انتهت المشكلة؛ فأجبته على الميديا: لا يا فضيلة الدكتور لا يؤمن المسيحيون بِأَيِّ صِلَةِ نَسَبٍ بين المسيح والله، أنما جسد المسيح وإنسانيته مخلوقين من الأرض، من جسد العذراء مريم، وأن التجسد معناه أن كلمة الله قد أُلقِيَ إلى العذراء، وحَلَّ وظهرَ في هذا الجسد المخلوق.
لا أدعي أنني قادرٌ على تقريبُ أو حلُّ صِراع الأجيال بين الفرس والبيزنطيين، ولا بين التوحيديين والمسيحيين الأرثوكاثوليكيين، ولكني فقط على الأقل نجحت في أن أوضح: أن المسيحيين لا يعبدون إنسانًا، وأن جسد وإنسانية المسيح مخلوقين من الأرض، وأن الله القدوس لم يتخذ من العذراء مريم صاحبةً، وأن الله لم يتخذُ ولدًا؛ لأن كلمة ابن الله: تنسحب على نور الله (وكلمة الله)؛ حتى نجحت بهذا الإيضاح أن أَحْصُرَ الخلاف بين المسيحيين والمسلمين في أن: نور الله (ابن الله) قد ظهر في جسد المسيح المولود من العذراء (بحسب المعتقد المسيحي).
أسعى جاهدًا لترميم أَيِّ مُحَاوَلَةِ شَقٍّ لِلصَّفِّ بين أهلي في بلدي؛ لأنني أرى في الأفق خيوط المؤامرة الخبيثة؛ تُنسجُ بتصدير لغةٌ استقطابيةٌ ناعمةٌ من الخطاب الصهيوني نحو المسلمين ضد المسيحيين؛ بدعوى أن كُلٌّ من المسلمين واليهود مُوَحَّدِينَ، وأن المسيحيين بخلاف ذلك ! رغم علم الجميع اليقيني بحجم الموروث العدائي في الخطاب الديني والتاريخي بين المسلمين واليهود. فتأمل !
بنسلفانيا – أمريكا
۲۱ مارس ۲۰۲٥
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath