من المفيد أن يتعرف الشباب القبطي علي التاريخ والاحداث التي أثرت فعليا في الحالة المسيحية والكنسية في مصر خلال السبعون سنة الفائته و هي الحقبة التي تشكل فيها تقريبا النظام العالمي الحالي؛ حتي يكون الجميع قادرون علي إستشراف المستقبل والمتغيرات بعقل مفتوح مع صدق المواجهة.
الرئيس عبد الناصر ؛ كان هو ضابط الجيش المسئول عن تدريب الجناح العسكري للإخوان المسلمين؛ علي إستخدام السلاح ؛ علي نحو ما ذكر لي فما لأذن ؛ الراحل جمال البنا شقيق حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان! وكان عبد الناصر ؛قد إستولي علي المساحات الكبيرة من الافدنة الزراعية التي تمتلكها الكنيسة و تتعول عليها ؛ في قوانين الاصلاح الزراعي والتأميم ؛ و في زيارة ودية للبابا كيرلس السادس له؛ أساء معاملته؛ قال له مشيرا الي عصا الرعاية التي يمسكها :" إيه عصاية الكلاب اللي إنت جاي بيها دي" !
تكملة القصة في هذه الحادثة أدت الي تحول العلاقه بين الرئيس والبابا إلي علاقة حميمة جدا أدت إلي بناء الكتدرائية المرقسية بالعباسية علي نفقة الدولة ؛ و إلي إقتراح عبد الناصر بمنح بطريرك الإسكندرية لقب " البابا" من قبل الدولة المصرية ؛ حيث أنه حتي عهد البابا كيرلس السادس ؛ كان لقب البابا مقصورا علي أسقف روما طوال التاريخ ؛ وعشنا في حبريته مع رئاسة عبد الناصر زمن سلام وهدوء في الكنيسةالمصرية.
حتي توفي الرجلان خلال عام واحد ؛ و حل الرئيس الاخواني الذي باع مصر إلي أيدي المتأسلمين ؛ حتي قتلوه هم بأنفسهم في حادث المنصة !الرئيس (المؤمن) أنورالسادات ! الذين تصادما سريعا هو ؛ و البطريرك القبطي الراحل ؛ ليُصَعِد كل منهما أمام الآخر حتي إنتهي به الأمر إلي إلغاء القرارالجمهوري الذي كان قد أصدرة بتعيين البطريرك! أي عزلة ؛ والتحفظ عليه في دير الأنبا بيشوي تحت الحراسة و تشكيل لجنة من خمسة أساقفة لإدارة شئون الكنيسة! المهم هنا أن ما حدث بين الرئيس والبابا علي هذا النحو السلبي؛ مع سؤ معاملته و إدارته للأقباط والكنيسة ؛ أحدث شرخا عميقا بين الكنيسة والدولة بل و المجتمع كله؛ وإلي لجوء الاقباط الي الكنيسة والتحصن داخلها مع تأييد مطلق ومفتوح ؛ معنوي ومادي من الاقباط في الداخل و الخارج للبطريرك !
ثم بعد مقتل السادات وتولي نائبة حسني مبارك للسلطة ؛ أعاد البطريرك إلي كرسية و تحول صراع الإخوان مع السلطة ؛ وصراع الكنيسة مع الدولة من العلن إلي السر ! ولكن ظل كل علي حاله؛ في الواقع العميق للوطن المجروح بأيدي قادته يتحمل الشعب الصابر النتائج ؛ حتي كان إنفجار ثورة ٢٥يناير والإطاحة بالرئيس ؛ثم وفاه البطريرك ؛ لندخل في حقبة قصيرة أكثر سوءا علي أيدي الإخوان ؛ إنتهت بثورة ٣٠ يونيو علي حكم الاخوان لنبدأ الحقبة الحالية من تاريخنا.
وهنا أتحول من السرد العام إلي الخاص بي ؛ حتي يصير واضحا للجميع أن المتغيرات لم تأتي من فراغ ولا من تلقاء نفسها ؛ و حتي لا يتصور حالم ؛ أنه يمكنه؛ أو سيسمح له ؛ بأن يكون مركز قوة ! أو يستولي علي مكاسب حققتها الكنيسة بتعب غيره !
وما هو خاص بي و بالأحداث هو : أنني قررت الانفصال عن البطريرك وإدارته طبعا! ولكن لم أستطع الانفصال عن جذوري الارثوذكسية ؛ فيما أدركت بسرعة أن الافتقار الي التسلسل الرسولي سيدفع بخدمتي التي كانت قد إستقلت وتبلورت قانونيا في مؤسسة القديس أثناسيوس إلي خارج الجسد الارثوذكسي رضيت أو لم أرض! و من هنا سعيت إلي الكنيسة الارثوذكسية الاميريكية التي أسستها الكنيسة الروسية القديمة في أوج الحقبة الشيوعية في روسيا؛ لأحصل منها علي التسلسل الرسولي الارثوذكسي؛ وقد كان؛ و من ثم فلم أكن معنيا بضم الأقباط إلي كنيسة أثناسيوس ( كما تصور البطريرك وقتها) بل كنت معنيا بتغيير و إصلاح ما أراه ( من وجهة نظري) تدميرا وتخريبا للكنيسة المصرية في عهده!
وكانت أهدافي الاساسية هي ؛ التعليم اللاهوتي ؛ و الاحوال الشخصية ؛ والعلاقة بين المسيحيين والمسلمين ؛وبين الكنيسة والدولة ؛ ففيما كان هو منشغلا بأن يمنع الأقباط من التواصل معي ؛ كنت أنا مركزا علي أهدافي الجوهرية التي أثمرت : قناة الراعي الصالح ؛ ومعهد القديس أثناسيوس لدراسة لاهوت الآباء ؛ ثم بيت القصيد في حديثنا وهو الحوار المسيحي الاسلامي وترميم علاقة الكنيسة بالدولة؛ هذا المجهود المضني المتواصل علي مدي ١٥ سنة كان موضع إهتمام وتقدير من أجهزة الدولة المصرية ؛ وهو الذي قدم شرحا مفهوما ومنطقيا للاهوت المسيحي لغير المسيحيين؛ كما قدم محبة مخلصة بغير رياء للمسلمين و كسر حواجز الطائفية و سؤ الفهم مع المسلمين ومع الدولة علي السواء .
ومن هنا كانت الساحة قد أُعدت بلا حواجز فكرية صراعية؛ وكان قد جلس علي كرسي مارمرقس بطريركا مسالما لا يبغي زعامة ؛ ما مهد الطريق أمام الرئيس السيسي ليجري هذه الاصلاحات الصادقة لوضع الكنيسة والأقباط في الدولة المصرية الحديثة فلا تخريب العلاقة بين الكنيسة والدولة المصرية ؛حدث بغير مسببات وأدوار لأشخاص! ولا التغيير والتجديد أتي من الهواء أو من الفراغ !
البعض يتصور بغباء لا يحسدون عليه ؛ أنهم يستطيعون أن يعودوا بعقارب الساعة إلي الوراء و أن ينفخوا في وقيد الصراع من جديد ! لأن هذا هو ما حقق لهم الوجود والتمويل السخي في الماضي ؛ أو القفز علي مكاسب تحققت بتعب وكفاح غيرهم؛ لصالح الكنيسة!
و كلا المحاولتين محكوم عليهما بالفشل ؛ بل و بإنتهاء الادوار التي إعتادها الاشرار إلي الابد فلا هؤلاء تسببوا في أي إنجاز بل بالعكس ؛ هم يسعون لجر الكنيسة إلي الصراع الطائفي من جديد ؛ و لا شيء من كل هذا الانجازات كان ممكن أن يتحقق بدون جلوس البابا تاوضروس علي كرسي الاسكندرية ؛ ولا بدون الدور الوطني وحوار المحبة المسيحي الاسلامي الذي قدناه !
وأن غياب أسباب الإنجاز التي ذكرتها - إذا تصوروا هذا! - سيعني بالضرورة تعطل كل هذه المنجزات ؛ وعودتهم إلي أيام السادات التي يحلمون بها! ولأن تغيب الانجازات و صانعيها ؛ بعيد جداً عن أحلامهم ؛ فالصحيح هو غيابهم هم وقادتهم عن الساحة غيابا كاملا ونهائيا ؛ حتي تتفرغ الكنائس و قادتها لمهمة البناء !