عندي خبرة شخصية؛ فمنذ وعيت على الدنيا وقد وعيت على حساسية في الجيوب الأنفية مع صداع مؤلم كنت أقاومه بالمسكنات؛ وفي يوم من الأيام وكنت في عشرينيات العمر وكنت مشتاقا جدا للتناول من جسد الرب ودمه وقد إستيقظت في الصباح على هذا الصداع المؤلم؛ ولأنني كنت عازم على حضور القداس في كنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا؛ فقد تحاملت على نفسي ولم أتناول المسكنات وذهبت من باب اللوق حيث كنت أسكن إلى شبرا ودخلت القداس وأنا أكافح الألم؛ ولَم أنتبه إلا بعد إنتهاء القداس : أن صداع الجيوب الأنفية قد شفي فعلا بعد التناول؛ والجميل حقا أنه لم يعاودني بعدها أبداً إلى يومنا هذا؛ تكررت خبرة الشفاء في خدمة الأسرار هذه معي لاحقا في سر المعمودية المقدسة لأكثر من مرة لمعمدين كبار؛ شهدوا للتو فور تعميدهم أنهم نالوا شفاءً .
لكن الأمر سيتجاوز حدود الإيمان والعقل والحكمة إذا إفترضنا أن هذا الشفاء يحدث بطريقة آلية وتلقائية وفي كل مرة! لأن التناول نفسه بهذه الآلية وبدون إستحقاق لا يسبب شفاءً بل تأديبا "من أجل ذلك فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون" ! كما أن إفتراض تحويل السر إلى "تعويذة"؛ سيتصادم مع مرض كثير من القديسين المزمن؛ وعلى رأسهم الرسول بولس نفسه ! وطبقا للاهوت الأرثوذكسي فإن جسد الرب وحده هو الغير قابل للمرض بسبب إتحاده الجوهري بلاهوته؛ وما عدا ذلك فالجميع معرضون للإصابة بالمرض! وهنا يأتي دور مواهب الشفاء وسر مسحة المرضى لتقديم المعونة وقوة الشفاء للمحتاجين إليها؛ ليس بدون قواعد وليس لمجرد الإيمان أو الأمنية بل بترتيب التوبة ونزع الخطية مع الاعتراف بها؛ ومن ثم فإن الافتراض الوهمي بأن التناول من الأسرار المقدسة في حد ذاته يهب شفاءا جزافيا من المرض أو يمنع حدوثه أو العدوى؛ هو كلام ينتمي إلى منطق الشعوذة والجهل ولا ينتمي بأي حال من الأحوال إلى منطق الإيمان واللاهوت الأرثوذكسي .
أما أسلوب التناول في الكنيسة الجامعة في العصور الأولى فقد كان بأن يضع المتقدم للتناول يده اليمنى على يده اليسرى على مثال الصليب؛ ثم يضع له الكاهن الجوهرة المقدسة في يده ويتناولها أمام الكاهن ! وسبب تعديل هذا الطقس على يد القديس يوحنا ذهبي الفم الذي إستحدث المستير (الملعقة) وأيضا القبة؛ هو أن البحارة كانوا يحتفظون بالأسرار المقدسة في سلسلة حول رقبتهم ليتناولوها عند حدوث العواصف والكوارث البحرية ! ومن ثم صار التناول بشكله الحالي؛ ومما هو جدير بالإشارة إليه أن الكنيسة السريانية الأنطاكية قررت في هذه الأيام العودة إلى طقس التناول في صورته الأولى بوضع الجواهر المقدسه على أيدي المتناولين ويمكن للجميع الرجوع إلي كتاب "الآباء الحاذقون في العبادة" لمتابعة تاريخ التناول في الكنيسة.
بقي أن التناول شركة حب وإتحاد بالمسيح وبأعضاء جسده (الكنيسة) من خلال الأتحاد به بقلب صالح طاهر وليس وسيلة للمزايدات وتفريغ الاحقاد.
"ومن له أذنان للسمع فليسمع"