تحولت الجماعات المسيحية الخارجة من العالم، المستعذبة لرفضه واضطهاده لها من أجل محبة المسيح؛ إلى جماعة سلطوية في ليلة وضحاها؛ بعد اهتداء قسطنطين الكبير إلى المسيحية، وإعلانه المسيحية ديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية، بعد اضطهاد!
خصوصًا أن الإمبراطور ابتدأ دعمه للكنيسة المسيحية من باب سلطة تقنين الإيمان وبالتالي إصدار أحكام الحرم والتجريد والتجريم على مخالفي قانون الإيمان النيقاوي؛ وقد صاحب ذلك تحول الأساقفة إلى رجال دولة، وتدخل الدولة والإمبراطور في سلطة الأساقفة والكنيسة.
يسوع المسيح مؤسس المسيحية ورئيس الكهنة: أيّد سلطان كهنوته بأعمال محبة الله للشفاء والرحمة التي تجيب على حاجة الإنسان المتألم من الشر: إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي (يو٣٧:١٠)
فلم يفرض المسيح سلطته على الإنسان بحد السيف والقتال، ولا بسلطة الدولة؛ أو بأوهام البطولات والمعجزات التي لم يراها أحد! بل ببرهان أعماله التي لم يعملها أحد غيره (يو٢٤:١٥) التي رآها الجميع بأُم أعينهم والتي أجابت على احتياج وشقاء الإنسان، والتي برهنت على أن النور المتجسد فيه هو النور الأزلي، نور مولود من نور؛ كما الابن لأبيه، وعلى أنه هو(أنا) والآب واحد (يو٣٠:١٠): ففتح أعين العميان، وأقام الموتى، وأشبع الجياع إلى الخبز وإلى الحياة؛ وعلى هذا الأساس: أسس كنيسته وأعلن كهنوته ومحبة أبيه الصالح.
مرت ثلاثة قرون على الكنيسة المسيحية المُبَرهَنة بكهنوت أعمال المحبة؛ قبل أن تدخلها أعمال السلطة والتسلط على يد الإمبراطور؛ ثم مرت قرون أخرى أكثر عددًا؛ قبل أن يخرج من بين رهبان وكهنة الكنيسة من يشق عصا الطاعة ويزلزل هيبة الكهنوت وسلطان البابا (رئيس الكنيسة) الذي لم يعد يمثل سلطة يسوع المسيح رأس الكنيسة بسلطان أعمال المحبة وقوة الحياة؛ بل صارت سلطته هي سلطة الحرمانات والقهر وحرق الأحياء!
لكن هل نجح مارتن لوثر في أن يسترد الكنيسة المسيحية إلى سلطان المسيح وكهنوته المبرهن بأعمال محبة الآب وقد وعد المسيح: "من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها، يعملها هو أيضا ويعمل أعظم منها لأني ماض إلى أبي" (يو١٢:١٤)
أم أن ثورة مارتن لوثر افتقرت إلى برهان أعمال المسيح التي برهن بها على ارساليته ومحبة أبيه؟ واستعاضوا في ثورته الإصلاحية بأعمال الذهن الإنساني في الموروث اليهودي، بعد مزجه بإنجيل المسيح في خلطة جديدة هي الكتاب المقدس الحالي! الذي تم إحلاله محل المسيح نفسه وأعماله؛ كأساس للمسيحية والإيمان المسيحي؟!
لقد بشرنا الرسل: نحن وغيرنا من الأمم الوثنيين دون أن يستشهدوا بحرف واحد من العهد القديم والأنبياء؛ ولكنهم برهنوا على شخص المسيح نفسه أنه ابن الله الذي ليس بأحد غيره الخلاص، وكذلك على صدق ارسالياتهم بشهادة وسلطان الأعمال التي عملها المسيح- التي هي أعمال الآب السماوي وحده؛ وهذه الأعمال بعينها هي التي دفعها بالسلطان لتلاميذه ليعملوها هم أيضا قال له المجد:
"إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي"(يو٣٧:١٠) وأيضا:
"من يؤمن بي فالأعمال التي أعملها أنا يعملها هو أيضا وأعظم منها لأني ماضٍ إلى أبي" (يو١٢:١٤) فلا المسيح قَبِلَ شهادةً من إنسان ولا من الأنبياء (يو٣٤:٥) بل من الآب وحده مُبَرهَنة بأعمال الآب(يو٣٧:١٠) ولما بشر التلاميذ الأمم وبرهنوا على ارسالية المسيح وإرساليتهم به؛ برهنوا بأعمال الآب وأعمال المسيح: التي هي استعلان قوة القيامة والغلبة على الموت بقيامته وبسلطان قيامته فيهم بالقوات والمعجزات، وهذا هو: سفر أعمال الرسل.
المقارنة البسيطة بين مسيحية وبشارة الأناجيل وسفر أعمال الرسل؛ وبين مسيحية حركة الإصلاح تكشف بكل ألم الفروق الجوهرية التالية:
١- أن أساس مسيحية الأناجيل وسفر أعمال الرسل هو المسيح الغالب القائم من الاموات؛ أما أساس مسيحية حركة الإصلاح فهو "الكتاب المقدس"!
٢- أن برهان المسيح عن نفسه وبرهان تلاميذه عنه في الأناجيل أنه ابن الله: هو أعمال الآب التي لم يعملها أحد غيره، والتي عملها تلاميذه أيضا به؛ أما برهان حركة الإصلاح على المسيح فهو: مقتطفات (آيات) من الكتاب المقدس بعهديه.
فهل أدركتم الفارق بين مسيحية الأناجيل المبرهنة بأعمال المسيح وسلطان الآب السماوي؛ وبين مسيحية مبرهنة بالجدل والعبارات (الآيات) والكلمات، وكيف تم إحلال الكتاب المقدس محل المسيح له المجد كأساس للإيمان المسيحي!
حقا: "لقد مضي الوقت الذي كانت الكنيسة تقول: ليس لي ذهب ولا فضة؛ وكذلك مضي الوقت الذي كانت تقول فيه للمقعد: بإسم يسوع الناصري قم وأمش"