المسيحيون هم الذين أطلقوا على التناخ اليهودي اسم: العهد القديم؛ ومع أن كاتب الرسالة إلى العبرانيين قد أكد على أن القديم قد عتق وشاخ: "وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال"(عب١٣/٨)، إلا أن مكيدة التهويد المنظم للمسيحية نجحت في توظيف ضم التناخ اليهودي تحت مسمي العهد القديم إلى بشارة الإنجيل المسيحي في مجلد واحد ولأول مرة في التاريخ في سنة ١٤٥٥م في مطبعة جوتنبرج بألمانيا؛ تحت اسم الكتاب المقدس؛ وقد أُنفقت أموالًا طائلة لنشر الكتاب المقدس بكل اللغات وتوزيعه بأزهد الأثمان في كل مكان؛ حتى صارت الأجيال المعاصرة تظن أن الكتاب المقدس الذي بين أيديهم قديم قِدم المسيحية وعصر الرسل! مع أن رسل المسيح لما بشرونا نحن، مع باقي الأمم؛ لم يحملوا التناخ اليهودي ولا ذكروا حرفًا واحدًا من النبوات عن المسيح؛ بل اعتمدوا على سلطان الكلمة المنطوقة بالروح القدس مع المعجزات في البرهنة على خلاص المسيح.
الواضح وضوح الشمس في كبد النهار أن الكمال (التكميل/مت٥) الذي أتي به إنجيل المسيح جاء متناقضا ومبدلا ً لشريعة موسى النبي في كل شيء تقريبًا؛ ماعدا الإيمان بإله واحدٍ والوصية الأولي من الوصايا العشر! وفكرة تبديل المسيح له المجد لشريعة موسى بمنهج جديد مختلف جذريا عنه، ولكن دون أن يمحو أو يبطل قديم موسى؛ ليس رأيا للنقاش، ولكنها نص عبارات العهد الجديد نفسه: "لأنه إن تغير الكهنوت فبالضرورة يصير تغَيُّرّ للناموس أيضا" (عب ١٢/٧)
أين تقع المشكلة في ضم العهدين القديم والجديد في مجلد واحد؟!
١- مساواة البعض بين وحي العهدين! فيما وصف العهد القديم هو نفسه؛ واقع البشرية تحته "بالجالسين في الظلمة وظلال الموت" (أش٢/٩) ووُصف وحيه بأنه "تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس"؛ بينما وحي العهد الجديد هو المسيح نفسه النور الحقيقي: كلمة الله الأزلي المتجسد الذي صار هو نفسه وحي العهد الجديد النازل من السماء!
٢- عن قصد مبيت أو عن حسن نية: ذهب البعض إلى شرح وفهم لاهوت العهد الجديد على أساس وخلفية القديم! الذي تبدل وتغير فعليا بالجديد (عب١٢/٧)؛ وبدلًا من أن يقرأوا القديم كخلفية تاريخية ونبوية بنور وإعلان العهد الجديد؛ تم استدعاء مفاهيم الشريعة والعقوبة والقصاص لشرح وفهم صليب المسيح بدلاً من الغلبة على الخطية والموت بالصليب لأجل نعمة الطبيعة الجديدة وشركة الطبيعة الإلهية بالروح القدس المعطى لنا بنعمة العهد الجديد؛ لحساب استمرار البقاء تحت ذهنية الناموس والعهد القديم (اليهودية): ناموس الخطية والموت الذي أُعتقنا منه بإنجيل النعمة وعطية الحياة الجديدة بالروح القدس (رو٢/٨)
٣- كان التباين والتناقض واضحًا حتى لضعيف البصر بين تشريع موسى النبي بسبي النساء والأطفال وقتل المرتد (تث٢٠،١٣) والإبادة الجماعية لسكان أريحا على يد يشوع بن نون؛ وبين إنجيل المسيح: "أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" (مت٤٤/٥)، ومع ذلك فقد ذهب البعض إلى تبرير الحروب وتشريع التوراة (تث ٢٠) بنهب الشعوب وسبي النساء والأطفال، كما ذبح أطفال أريحا بأنه: تأديب من الله لهذه الشعوب!
فأي تأديب بسبي الأطفال؟ وأين التأديب بعد الإبادة الجماعية لشعب أريحا؟ من الذي تبقى من الإبادة ليتم تأديبه بذبح الأطفال؟! وهل يكون هذا وحياً من الآب السماوي محب البشر؟! وهل يكون هو نفس الإله متناقضا مع نفسه بين محبة الأعداء في الجديد وقتل ونهب وسبي أطفال ونساء الأعداء في القديم؟!
٤- إن دعاة العنف الديني قد استغلوا فرصة ضم التناخ اليهودي إلى العهد الجديد المسيحي في كتاب مقدس واحد لكي ينسبوا عنف الشريعة اليهودية إلى المسيحية! أو يجدوا بذلك مبررًا لعنفهم نحو الآخرين ووجود سند ديني غيرهم؛ يأمر فيه الإله أنبيائه ورجاله بالقتل والسبي والنهب للأعداء؛ فلا تقتل ولا تسرق ولا تزني التي أمرت بها الشريعة وأوصي بها الإله البشر؛ تصبح حلالاً مباحًا: القتل للأعداء والأمم الأخرى التي يقومون بغزوها! وكذلك نهب أرض وثروات تلك الشعوب تصبح حلالًا وأيضًا الاستيلاء على نسائهم لا يكون زني؛ بل سبايا وغنائم! فهل بهذا المفهوم جعلوا الشريعة والانبياء أنفسهم بذمتين وضميرين؟!
وهل صار هذا المفهوم هو الكارت الرابح للنهب والقتل والاشتهاء والاستيلاء على نساء الآخرين: يستخدمونه باسم الإله وبرضي منه؟!