كثيرون غير قادرين على مواجهة صدمة الحقائق التاريخية والإنجيلية التي اوردناها بخصوص مجلد الكتاب المقدس الذي بين أيدينا؛ أنه ليس مُسلّمًا من عصر الرسل ولا قديماً قدم المسيحية كما تعلموا، وتمت برمجتهم بأنصاف النصوص المجتزأة من أصولها، لكي يتشبعوا بالأفكار التي أرادها لهم من يريدون استرداد الكنيسة المسيحية إلى اليهودية، وإعادة احياء اليهودية التي كانت قد أوشكت على الموت والفناء بسبب المسيحية.
فيقرأون لهم نص عبارات الرب في إنجيل متى (5) "مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ." (مت 5: 17). مجتزأة من باقي سياق النص في نفس الاصحاح (متى 5) الذي يشرح لنا معنى هذا التكميل، الذي هو "قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ" (مت 5: 21) (في الموروث اليهودي)... "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ" (مت 5: 22) (تعليم المسيح في العهد الجديد)، وقد تكررت هذه العبارة مرات متعددة لتشرح معنى التكميل الذي هو بكل وضوح نقلة فائقة من السن بالسن والعين بالعين (وهذا هو التشريع القديم) إلى محبة الأعداء والصلاة من أجل المسيئين وهذا هو الإنجيل؛ فهل التكميل هنا يحتمل أي شكل من أشكال المساواة أو حتى الاتفاق بين ما قيل للقدماء وما يقوله المسيح في الإنجيل؟!
جادلني على الانترنت واحد يدرس الإنجيل باللغة اليونانية، وقال لي أن الكلمة اليونانية المترجمة "لأكمل" قد ذكرت في العهد الجديد مرات أكثر بمعنى "لأتمم" ومن ثم فهو يرى أن الترجمة الصحيحة ينبغي ان تكون "لأتمم" في الاصحاح الخامس من انجيل متى؛ فأجبته أن كلام الرب في باقي الاصحاح كله يشرح معنى التكميل بأنه التغيير، وإلا فأشرح لي انت ما الذي تممه الرب في وصية موسى النبي سن بسن وعين بعين حينما يقول الرب لا تقاوموا الشر أي بالشر.
واضح من هذا الحوار، أن هنالك خطة مبيته لاستدعاء ناموس اليهودية، الذي غيّره المسيح بالإنجيل، إلى جوار الإنجيل، حتى لو كان هذا على حساب حق الإنجيل.
وبنفس المنطق يجتزئون عبارة الرسول بولس إلى تيموثاوس "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ"(2 تي 3: 16).؛ التي إذا عدنا إلى النص الكامل للفكرة في (2 تي 3: 15-16) سنجده يقول "وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإيمان الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ،" (2 تي 3: 15-16)، فواضح من النص أنه يتكلم عن الكتب المقدسة القادرة على أن توصله للخلاص الذي بالإيمان بالمسيح يسوع؛ فهل كل كتب التناخ اليهودي قادرة على أن تحكم تيموثاوس للخلاص بالإيمان بالمسيح يسوع؟، أم أنها فقط الكلمة النبوية التي تكلم بها الأنبياء مسوقين من الروح القدس؟
فهل تقود مجزرة يشوع ابن نون لأطفال أريحا أحدًا للإيمان بالمسيح يسوع؟ وهل تقود توصية سفر التثنية (تث 20) بسبي النساء والأطفال، وتثنية (تث13) بقتل الأخ لأخيه المرتد، وأخبار ملوك إسرائيل وحروبهم وغيره وغيره في التناخ اليهودي الذي لا يقود أحد إلى الخلاص بالإيمان بالمسيح يسوع؛ بل قاد الملايين من الشباب هنا في أمريكا إلى رفض المسيحية بسبب إيمان الكنيسة الأمريكية بأن كل ما كتب في العهد القديم من هذه الفظائع هو موحى به من الله!
فما معنى "كل الكتاب هو موحى به من الله"؟ الإجابة حاضرة وواضحة في نفس الاصحاح وهي أن الكتب المقدسة: "هي القادرة أن تحكمك إلى الخلاص بالمسيح يسوع" كما تفعل الكلمة النبوية، وليست هي تشريعات الناموس القادرة على أن تشكك في كل شيء إلى حد رفض الإيمان بجملته كما حدث هنا في أمريكا !
نص ثالث يُقرأ مُجتزأ من سياقه وهو "وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا،" (2 بط 1: 19). وهذا النص المجتزأ هو نصف العبارة التي في (2 بط 1: 19) وبمنتهى البساطة إذا أكملنا قراءة النص فسنجده يقول: "كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ،" (2 بط 1: 19).
فلماذا يجتزئون النص ويقرأون نصف الآية ويغفلون نصفها الآخر؟!، لأن بقية النص تضع النقاط على الحروف ولا تحقق لهم ما يريدونه من اجتزاء الحقائق، فماذا تقول بقية النص: بقية الآية تعقد مقارنة بين الكلمة النبوية، فتُشبهها بالسراج المنير؛ بالمقارنة مع طلوع كوكب الصبح (الشمس) في قلوبهم، ومن هو كوكب الصبح؟ إنه الرب يسوع المسيح؛ والجزئية الثانية التي يغفلونها في بقية النص هي أن الكلمة النبوية تفعل حسن "إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ" بالإيمان بالمسيح، فالكلمة النبوية وسيلة مؤقتة تقودهم إلى الخلاص بالمسيح (كوكب الصبح المنير) وليست هدفا في حد ذاتها.
يغفلون عن المؤمنين الحقائق: أن هذا الكتب المقدس الذي بين أيديهم لم يكن موجود قبل سنة 1455م ويُوهمونهم أنه منذ عصر الرسل وقد سلم منهم إلى الكنيسة ويجتزئون نصوص العهد الجديد- كما أسلفنا – التي تتكلم عن دور الكلمة النبوية في الإشارة الواضحة عن خلاص المسيح ليجعلوا من الكلمة النبوية هدف في حد ذاته وليست شهادة ودليل على المخلص الوحيد، واهب الحياة؛ ثم يخدعون المؤمنين الذين يسمعونهم بأن ما ينسحب على الكلمة النبوية التي تشهد للمسيح تنطبق على تشريعات موسى النبي التي شرّعها لبنى إسرائيل، والتي كشف الرب بنفسه أنها تشريعات موسى وليست أقوال الله في (مت 19: 8) و (مر 10: 5).
لماذا لا يدعون الحقيقة تفتح عيونهم، على حق الإنجيل؟ لأنهم ظلوا مخدوعين من معلميهم لسنوات كثيرة، والآن نحن نكشفهم بنور حق الإنجيل، ولكن لماذا يختار من يقولون أنهم خُدّام إنجيل المسيح أن لا ينحازوا إلى طاعة حق الإنجيل؟ إما لأنهم مخدوعين ممن سبقوهم، أو أنهم فعلة مأجورين.
"فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ، أَنَّهُ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِذَاكَ وَقَفَ هذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحًا. هذَا هُوَ: الْحَجَرُ الَّذِي احْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا الْبَنَّاؤُونَ، الَّذِي صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ»." (أع 4: 10-12).
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "التفكير ليس ممنوعًا" اضغط عالرابط التالي