من المفيد أن يكون واضحاً لنا أن محبة الله التي تشمل جميع البشر وعنايته لخليقته وإشفاقه على الإنسان شيء؛ ومعرفة الله والدخول في علاقة حقيقية معه شيء آخر.
محبة الله تنبع من طبيعته، ومن ثم فهي لا تفرق بين إنسان وآخر؛ أما نشوء علاقة بين الإنسان والله، فهذا ليس متوقفاً على محبة الله وحدها، بل إن إرادة الإنسان وحرية اختياره ورغبته في إنشاء هذه العلاقة، تظل عاملاً أساسياً ومهماً لهذه العلاقة بين الإنسان والله.
وقد دأب رجال الدين على تنوع أديانهم على أن يصدروا للبشرية تعليمات وأساليب للوصول إلى نشوء هذه العلاقة بين الإنسان والله؛ فمن الشائع أن يُقال: إنه الإيمان بالله أو كما تقول التوراة أنهم آمنوا بالله وبعبده موسى، أو أنها الصلاة أو الإحسان على الفقراء مع الصيام والزهد…إلخ؛ دون أن يسألهم أي واحد أو يسأل نفسه: لماذا أنا صمت وصليت وتصدقت وقرأت ليل نهار في كتاب الله؛ وما يزال الله غائباً عني بعيداً، لا أشعر بوجوده بجواري، ولا بتدخله في حياتي؟
أمضيت تسعة سنوات من شبابي المبكر في حياة متدينة مخلصة، أواظب على الصلاة والصوم بلا كلل، وأقرأ الإنجيل كل يوم، دون أن أذوق في يوم من الأيام طعم الفرح؛ بل على العكس كنت أشعر بالقهر والحرمان، كمن يجري في طريق طويل، يعدونه بالماء العذب في نهايته، دون ماء أو ارتواء من أي نوع؛ حتى تيقنت أن الطريق الذي وصفوه بلا نهاية وبلا هدف، وأنهم قد خدعوني!
كنت وقتها في العشرينات من عمري، ولم أكن قد أدركت بعد أنني لست المخدوع الوحيد! حتى قرأت مسرحية "الذباب" لجان بول سارتر، لتواجهني المسرحية بحقيقة إيماني، وبصورة الإله الذي يعبده ملايين البشر. ولكن الأخطر من هذا أنه فجر في داخلي الثورة والحنق على هذا الخداع وعلى من خدعوني.
إن الملايين من حضراتكم قُدمت لهم فكرة الإيمان كطريق لإرضاء الله ونشوء علاقة معه، وعليكم وحدكم تقع المسؤولية، أنكم لم تسألوا أنفسكم ولم تسألوا كهنتكم ولا خطبائكم: لماذا أمضيت هذه السنين في الإيمان وفي طاعة أوامركم المبنية على هذا الإيمان، ولم ألمس شيئاً من خلال هذا الإيمان!؟ ولم أر يوما تدخلاً إلهياً في حياتي ولم ألمس فرحاً، بل إني أشعر بالشقاء، لأني لم أنجح في تنفيذ أوامركم، ولم أنجح في تنفيذ وصايا الله!؟
إذا لم يكن هذا التوصيف الذي ذكرته ينطبق عليك، فلا حاجة لك بأن تقرأ هذا المقال؛ أما إذا كان ينطبق عليك مثلما انطبق على سنين شبابي المبكر كلها؛ فمن واجبي أن أنقل إليك خبرتي ومن حققك أن تجربها إذا شئت.
فكرة الإيمان بالله وبعبده موسى بدأتها اليهودية وآمن الشعب القديم بالله وبموسى كنبي مرسلاً من عند الله لخلاصهم ونجاتهم من العبودية، وقد نجحت انتفاضة موسى النبي في إخراج اليهود من عبودية المصريين، وهكذا أعطاهم موسى الشريعة التي وعدهم أن من يفعلها يحيا بها؛ إلا أن الإيمان مع الشريعة لم ينجحا في أن يهبا لا الخلاص ولا الفرح ولا السلام إلى قلب الإنسان بل على العكس ظل الإنسان عاجزا عن بلوغ الغاية والكمال. فيما توارث رجال الدين الأحدثين عن الأقدمين نفس الأسلوب بالترهيب بعذاب النار، والترغيب بجنة الخلد لمن يؤمنون ويعملون بأحكام الشريعة.
كيف إذن عثرت أنا على الفرح والقوة التي أعطت لإنسانيتي طاقة فائقة للانتصار على الشر؟
قولاً واحدا لمن يريد أن يصدق خبرتي أن هذه القوة الفائضة بالحياة لابد أن تأتي إليك وعليك من عند الآب السماوي، حينما تطلبها بقلب تائب، فهي التي ستصنع الجسر والمحبة والشركة والوصال بينك وبين خالقك، وهذا هو ما سيغير حياتك، وما سيحقق هذه الشركة والمحبة بين الإنسان والله؛ فيصبح تدخل الله وحضوره في حياتك، ثمرة تلقائية؛ لفيض حياة ومحبة إلهية حقيقية في كيانك.
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "التفكير ليس ممنوعًا" اضغط عالرابط التالي