أصحاب الأديان يجزمون بوجود حياة بعد الموت، ويتنوعون طبقًا لموروثاتهم الدينية في وصف طبيعة وشكل حياة ما وراء الموت، بينما يجزم أيضًا الملحدون بأنه لا توجد حياة بعد الموت، وأن كل شيء بالنسبة للإنسان سينتهي بموته.
القياس المنطقي يفرض علينا أن نجيب على كليهما من خلال نظرية الاحتمالات كقياس منطقي؛ ومن ثم فإن هذا النوع من القياس المنطقي سينتهي بنا إلى أن احتمال وجود حياة فيما وراء الموت من عدمها هو احتمال بنسبة خمسين بالمئة لكل من الفكرتين؛ وعليه فإن المتدين سيجيب إذا لم توجد حياة بعد الموت فلم أخسر شيئاً، بالعكس فقد عشت حياة صالحة وكنت إنسان ذو صفات حميدة وعلاقات جيدة مع باقي الناس؛ بينما سيصبح الأمر مفاجأة غير محسوب حسابها للملحد إذا صدقت الخمسون بالمئة التي يتبناها المؤمنون!
التحليل الطبي العلمي للقصص الكثيرة لمن حدث لهم موت حقيقي للجسد سواء كان في غرفة العمليات أو الذين غرقوا ثم عادوا إلى الحياة، تخبرنا بأنه كانت هناك حالة كاملة من الوعي خارج النشاط الدماغي، وهو ما أطلق عليه الأطباء "الوعي الفائق" "super conscious"؛
وبناء على الأبحاث العلمية الكثيرة التي أكدت حضور هذا الوعي خارج النشاط الدماغي في أحداث متعددة؛ فإن هذا يؤكد لنا أن هنالك وجود من نوع ما فيما وراء موت الجسد، وعمومًا هذا أحد أشكال التحليل الذي يستطيع أي إنسان أن يقبله أو يرفضه.
يتبقى لنا هنا سؤالًا مهمًا ومتحديًا: إذا كانت هنالك حياة في ما وراء الموت، وإذا كان هناك أيضًا بعث وحساب وعقاب كما أعتقد المصريون القدماء، ومن بعدهم أصحاب باقي الديانات؛ فكيف يُعقل أن يكون الله الذي يأمر البشر من خلال الأديان بالمحبة والإحسان؛ أن يكون هو نفسه وحشيًا وانتقاميًا في تعذيبه للإنسان، بأن يعد بحيرة هائلة من النار والكبريت ليلقي فيها الذين عصوه وتمردوا عليه ليبقوا في حالة شواء أبدي إلى ما لا نهاية؛ أم أن هذا نوع من الترهيب والتخويف يمارسه الدين لصالح الإنسان، تمامًا كما كان أباءنا يهددونا في صغرنا بالحبس في غرفة الفئران؟!
من وجهة نظري كإنسان عاقل، لا أتصور أن هذا يناسب ملكًا نبيلًا، فكم بالأحرى لا يناسب الله المُحب الخَيِّر!، وكدارس متخصص للاهوت المسيحي أستطيع أن أجزم بأن المسيح لم يَقُل أبدًا ولا مرة أن الله سيشوي الناس في نار جهنم، فضلاً عن أن كلمة "جهنم" بالعربية هي بالعبرية "جي هنوم" أي وادي هنوم أو وادي أبن هنوم، وهو وادي حقيقي كانوا يضرمون فيه النيران في النفايات، وهذا مُثبَتْ تاريخيًا بالأدلة، فلا أرى في الأمر أكثر من صورة تعبيرية مجازية ترهيبية.
وخلاصة بحثي وفهمي للأمر هو أن هنالك وجود حقيقي واعٍ خارج النشاط الدماغي للجسد الإنساني في بعض حالات الذين ماتوا ثم عادوا إلى الحياة؛ فعلى أي صورة ستكون حالة الروح الإنسانية هذه فيما بعد الموت؟!
أظن أنه من الحكمة والتعقل أن أقول أنه لا يوجد ما يغير حالة الروح الإنسانية بعد الخروج من الجسد بالموت، بمعنى إنها إذا كانت روح قلقة مكتئبة قاسية حقودة فستظل على حالها؛ لربما يكون حالها البائس هذا هو ما عبر عنه أصحاب الديانات بفكرة العذاب أو النار أو الندم، أما إذا كانت هذه الروح الإنسانية مملؤة من السلام والسكينة والفرح وهدوء القلب والمشاعر والحواس عندما كانت في الجسد؛ فإنها ستظل على حالها من الفرح والسلام والهدوء والابتهاج بعد خروجها من الجسد كما كانت في الجسد، لأنه من أين سيطرأ عليها التغيير؟؛ ولربما كانت حالة الفرح والهدوء والسكينة هذه هي ما عبرت عنه الأديان بفكرة النعيم الأبدي؛ أكان جنة وارفة أو كانت سماءً مبهجة.
أنا لم أستشهد بمعلوماتي اللاهوتية سوى النذر القليل، وحاولت أن أدير معكم حوارًا منطقيًا على أساس عقلي محض؛ ومن ثم فإن احتمال الخمسين بالمئة بأن تبقى روحك خارج الجسد على حالتها التي تعيشها الآن فعليًا يطرح عليك سؤالاً مهمًا: هل أنت تعيش في الفرح والحب وتحقيق الوجود وستظل في حالة الفرح والسلام القلبي هذه، أم أنك تعيش في المرارة والأحقاد والجراح والغضب والتذمر والشقاء؟ مع توجيه عنايتك أنه لا يوجد ما سيغير الحالة التي عليها روحك الآن فيما وراء الموت!
فكر في الأمر بعقلانية وتدبر الواقع والاحتمالات.
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "التفكير ليس ممنوعًا" اضغط عالرابط التالي