لسنين طويلة وقعنا بين فكي رحى تدير المقاصات مع بعضها للسيطرة والبقاء على حساب جماهير الشعب الكادح الذي امتد به الفقر إلى حافة الانهيار الإنساني والاجتماعي وأيضًا التربوي؛ وفكي الرحى كانا هما بالأسف الشديد موضوع ثقة وأمل جماهير الشعب المغرر بها وهما السلطة المتحالفة مع رجال الأعمال؛ والمؤسسات الدينية في الداخل والخارج؛ ليثري كل أطراف التحالف ثراءً فاحشًا؛ ويفتقر الجميع ما عداهم!
وهذا ليس هو موضوع مقالي اليوم؛ لكن موضوعي هو: أن حالة الفقر العام مع الفوضى الظالمة واللهث المتكالب وراء تأمين لقمة العيش؛ والبحث عن سكن في ظل غياب إقراض عقاري للغلابة والشباب؛ أثمر أجيالًا لم يرَبِها أحدٍ؛ ولكنها تربت على يد قِيَمْ الإحساس بالظلم وانعدام الانتماء وتثقفت بثقافة دينية رجعية، مع الكوميديا السوقية التي وضعت على الأفواه كل ما هو سوقي للإضحاك والاثراء!
لقد جهد الرئيس مع جمهوريته الثانية في حل المشاكل الأساسية والجوهرية للفقر والعشوائيات والإسكان؛ لكنه يتصادم وبشدة مع مشكلة الوعي: أن الجماهير المغرر بها ماتزال تضع ثقتها في مستخدمي الدين في سحقهم وإذلالهم وقتلهم والإثراء على حساب افتقارهم!
نحن إذن بحاجة إلى ثورة وعي وتغيير جذري في جميع الأدوات المؤثرة في صنع هذا الوعي الجمعي: الإعلام ، المدرسة، المؤسسات الدينية، الثقافة؛ فإذا لم يكن معنى الجمهورية الثانية (أو الجديدة)؛ القيام بهذه الثورة التغيرية في هذه القطاعات المؤثرة على الوعي المصري بلا مجاملة للفاشلين أو حساب للحاقدين؛ فإن الإنسان غير الواعي قادر وبجدارة على تخريب كل ما أُنجز لأجله من إنجازات!