كانت الكنيسة الكاثوليكية في عصر مارتن لوثر؛ تمنع المؤمنين من قراءة الكتاب المقدس؛ حتى يأتي الكاهن لزيارتهم فيقرأ لهم من الكتاب المقدس ويفسر لهم، وكانت حجة الكنيسة هي أن: من فم الكاهن تطلب الشريعة (ملا ٢: ٧) وحتى لا يخطئ الشعب فهم أقوال الله!
الأكثرين لا يعلمون أن مارتن لوثر كان لاهوتيًا متخصصًا؛ وأنه حينما حرر الإنسان من قيود عدم قراءة الكتاب المقدس؛ لم يكن يدور بخلده أنه ستأتي أيام يتقلد فيها: أعلى المناصب الكنسية في بعض الأماكن؛ أناس لم يدرسوا شيئًا يذكر عن خلفيات الكتاب المقدس؛ ولا أن حرية الفتاوي بلا ضوابط ستفتت حركته الإصلاحية إلى هذا الكم الهائل من الكنائس!
معظم هؤلاء وأولئك لم يعرفوا ببساطة أن سفر أيوب كتب كقصيدة شعرية؛ وبالتالي فهو ملئ بالاستعارات والكنايات التي تصور التجربة من رؤية وإمكانات قديسي العهد القديم: "فالروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد لأن يسوع لم يكن قد مُجِد بعد!" وكذلك لا يعرفون ببساطة أن نشيد الأنشاد: أنشودة؛ كانت العذارى تتغني بها في موسم الحصاد!
ومن ثم فلم يكن واضحًا لهم أن مقاصات الله مع الشيطان هي حوارات مستحيلة الحدوث؛ ولكنها كما ذكرت استعارات وكنايات تعبر عن فكرة شكاية الشيطان علي الانسان بسبب ضعفاته التي من خلالها يشتكي على الإنسان ويجد الفرصة لإصابته بشروره.
طريقة الفهم اليهودية لسفر أيوب التي توارثتها أجيال من المسيحيين بغير وعي؛ انتهت بهم إلى فكرة متعارضة تماما مع إنجيل المسيح وعهده الجديد وهي أن الله يسمح بالشر (أو يصرح به)! ورد العهد الجديد واضح ومحدد العبارات: لا يقل أحد إذا جُرّبَ إني أُجَرّبُ من قبل الله. لأن الله غير مُجَرّبْ بالشرور وهو لا يُجَرِب أحدًا: (يع١: ١٣)
الموقف يصبح أكثر وضوحا وجلاءً في الإنجيل (يو ٩) وحوار التلاميذ الذين هم أصلا يهود: يسألون المسيح له المجد عن المولود أعمى أهذا أخطأ أم أبواه حتى ولد أعمى؟! ولكن رد المسيح يعلن به نور عهده الجديد؛ أنه فتح عيني الأعمى؛ وقال لهم بالبرهان هذه هي أعمال الله التي ظهرت الآن في الأعمى!
كل هذه الأمثلة وغيرها كثير من العهد الجديد غير كافية وغير مقنعة لمن تربوا على الموروث اليهودي الذي غرس فيهم بعمق من خلال معلمين شربوا من غيرهم تأثيرات وخطط الصهيونية المسيحية بإخضاع فكر وإعلان العهد الجديد للموروث اليهودي باسم وحدة الكتاب المقدس؛ فيظل القديم حاضرا وبقوة ولا يعطي الفرصة لمقارنته بالجديد؛ فلا يظهر علانية الكمال الذي أتى به الجديد ليكمل ناموسًا لم يكمل شيئًا! (عب ٧: ١٩)
ربما يجيب هذا التحليل على السؤال المحرج الذي لا يريد أحد أن يجيب عليه أو يواجهه: ما سبب الهزال الروحي الشديد عند الأكثرين وانهزامهم أمام الخطية ؟ ولماذا خلت الكنائس من إظهارات الروح القدس وقوة الله؟! ربما لأنها أكثر شبهًا بعبادة وتعليم المجمع اليهودي؛ منها إلى كنيسة العهد الجديد وأعمال الرسل!