حاولت في المقال السابق أن أنقل فهم المؤمنين لموت المسيح على الصليب؛ من التصور الساذج لموت الجسد أي خروج الروح من الجسد إلى عمق معنى المواجهة مع روح الموت وملك الموت نفسه أي إبليس؛ وحتى نفهم اليوم معنى غلبة المسيح على الموت؛ لابد لنا أن نفهم ما هو الموت وكيف كان يحدث للإنسان!؟
الموت يشبه مدفعًا يطلق قذائف مميتة؛ ولكن هذا المدفع المميت لا يعمل من تلقاء ذاته بل لابد للمدفع من مدفعجي يتحكم فيه ويفعله ويقتل به؛ ومن ثم فالموت ليس مجرد طاقة سلبية تعمل من تلقاء ذاتها ولكن هذه الطاقة المميتة صادرة عن من هو الموت ومصدر هذه الطاقة الظلامية المميتة الذي يوجهها نحو الإنسان ويأسره بها في حيازته وتحت سلطانه؛ ثم في النهاية ينجح هذا الموت في أن يقتل الجسد فتنفصل الروح عن الجسد؛ ثم يعمل الموت في الجسد بالتحلل والتفسخ، وأما روح الإنسان التي خرجت من جسده بموت الجسد فيقبض عليها إبليس بقوة الموت الصادرة عنه ويجتذبها إلى الهاويه أي الجحيم الذي هو مكان تحت الأرض تمكث فيه الأرواح مقيدة بقوة الموت؛ وهذا هو البقاء في الموت أو الجحيم؛ الذي لم يستطع أحد من البشر الذين ماتوا من الإفلات منه من آدم حتى باقي البشرية بدون استثناء بما في ذلك أنبياء العهد القديم؛ إلا إذا نُقل الإنسان مثل ايليا ومثل أخنوخ الذي نقل لكي لا يرى الموت إذ شهد له أنه أرضى الله (عب٥/١١)
ومن ثم فإن الخطايا هي أذرع أخطبوط الموت التي يقبض بها إبليس على أرواح فرائسه من البشر ومن ثم فإذا كان إنسان بلا خطية؛ يصبح أخطبوط الموت بلا قوة وبلا أذرع يقبض بها على ذلك الإنسان، فلما حشد إبليس كل قوى الكراهية والشر من رؤساء الكهنة والجموع التي يهيجونها لتصرخ أمام بيلاطس أصلبه أصلبه؛ وفي لحظة ذوقه للموت وهو يسلم الروح الإنسانية من جسده؛ جاء إبليس مُدبر مكيدة صلبه بأخطبوط الموت ليقبض به على روح المسيح الإنسانية كسائر البشر؛ لكنه فوجئ بأن أخطبوط الموت الذي قبض به على كل البشر هو بلا أذرع وبلا قوة أمام الإنسان يسوع المسيح الذي بلا خطية؛ بل وأيضًا تواجه مع قوة الحياة الغالبة للموت التي تفيض من إبن الله الحي ومن هو الحياة الإلهية؛ ضد من هو الموت ومصدره؛ فأبتلعت الحياة الموت وغلبته صانعة القيامة والغلبة على الموت وبدلًا من أن يتمكن الشرير من الإمساك بروح المسيح الإنسانية بأخطبوط موته!
تعقبت روح المسيح الإنسانية بقوة القيامة؛ الروح الشرير حتى مقر أرواح الموتى المقيدين بالموت في الهاوية؛ لتمنح قوة القيامة والحياة الغالبة للموت للأرواح المنتظرة مجئ المخلص على الرجاء؛ هذه الأرواح التي إستلمت قوة القيامة من روح المسيح؛ قامت مع المسيح
"قام كثير من أجساد القديسين الراقدين و خرجوا من القبوربعد قيامته و دخلوا المدينة المقدسة و ظهروا لكثيرين"( مت ٢٧ : ٥٢، ٥٣)