قبل أكثر من خمسين سنة؛ كنت أودع الخادم الذي خدم في كنيستنا تلك الليلة على محطة القطار؛ وسألته: أين يوجد الآن جسد المسيح بعد صلبه وقيامته؟ فأجابني صديقي الذي كان يكبرني بست سنوات تقريبًا: إنتهى دوره؛ فقلت يعني راح فين بعد كده؟ فأجابني خلاص "إتبخر"! نعم كنا صغارًا في السن والخبرة؛ ولم يكن أحد يستطيع التنبؤ بأنه سيصبح علمًا وأسقفًا في كنيسته؛ ولا أنني سأغادر يومًا إلى كنيسة أخري؛ ولكن هذا يعكس للجيل الذي يعيش اليوم مستوى الضحالة اللاهوتية التي نشأ أبناء جيلي فيها؛ حتى أن فهم حقائق العهد الجديد بالقراءة المجردة لم يكن متاحا لنا! والسبب هو أننا كنّا مبهورين بمعلمينا الذين نصغي بشغف إلى عظاتهم؛ دون أن نكون تلاميذً للإنجيل!
لم تكن عندنا بعد أي كتب للآباء؛ وحتى ترجمة القمص مرقس داود لكتاب تجسد الكلمة للقديس أثناسيوس أتت هي الأخرى متأثرة بفكرة الخطية غير المحدودة وإشباع العدل والغضب الإلهي؛ التي إنحدرت إلينا من الغرب في عصور الضعف الشديد الذي أصابنا؛ والتي أسست لفهم العهد الجديد بناءً على معطيات العهد القديم؛ فجعلت من المسيح خادمًا للناموس ومتممًا لمتطلباته؛ وعكست صورة الإله الغاضب الدموي الانتقامي عوضًا عن الله المحبة ونعمة العهد الجديد؛ حتى محبة الله للإنسان حُولت إلى محبة لذاته الانتقامية التي لا تقدر أن تغفر إلا بسفك الدم؛ حتى لو كان دم إبنه!
الأهم من هذا مرة أخرى هو سؤالي لصديقي أين ذهب جسد المسيح؛ الذي لم يعرف أن يجيب عليه بأنه قام من الأموات وصعد إلى السماوات وهو جالس الآن عن يمين الآب يشفع فينا وسيأتي في مجده!
هل إلى هذا الحد بلغ تشويه التعليم في أذهان جيلنا تأثرًا وإنسياقًا وراء نظريات غربية وغريبة على لاهوتنا ولا برهان عليها من الإنجيل بنص واحد؟!
نعم صدقوني أن القصة حقيقية؛ وأننا كنا صغارا!