كان داود فتى أشقر مع حلاوة في العينين؛ وكان دون سن العشرين حين قتل جليات بسيفه! ولصغر سنه أُستثنى دون إخوته من شرف التجنيد في الحرب الدائرة آنذاك؛ أما شاول رجلاً قويًا وملكًا تخضع له جيوش إسرائيل؛ وكان قادرًا على ذبح كل كهنة الهيكل وضرب مدينة الكهنة بالسيف؛ ومع ذلك لم يقو على النَيل من داود؛ بل كان منزعجًا منه ومتأكدًا من أن داود سيحل محله في المُلك وأن مملكة داود ستثبت: هل لأن الشرير يهرب ولا مطارد؛ أم لأن الروح الشرير الذي بغته كان يرتعب من مسحة روح الرب التي مسح بها صموئيل داودً؟!
دارت الأيام دورتها ولم يسقط شاول بيد داود ولكنه سقط بيد الفلسطينيين؛ وشمت به أعدائه؛ بينما رأى غيرهم أنه ذنب مذبحة الكهنة وعدالة السماء؛ ونسي داود المشقة كمياه عبرت بعدما أراحه الله من كل جانب؛ وترنم صغيرًا أنا عن الطافك وعن كل الأمانة التي صنعت مع عبدك وتحققت وعود الله المستحيلة بفهم الإنسان؛ وأيضًا بعناده ومقاومته المستميتة لتحقيق مشيئة الله بأن يكون هناك ملك آخر يزيح ملكًا عاتيًا؛ وليس امتدادًا له! تكرر الأمر مع شاول وداود ومع هيرودس ويسوع المسيح وما يزال يتكرر ما بقي التاريخ شاهدًا علي سلطان الله وعدالته وأمانته.
لكن الرسول بولس لديه إضافة مهمة على هذه الفكرة يقول: "لو كان لنا رجاء فقط في المسيح في هذه الحياة؛ فنحن أشقى جميع الناس! بمعنى أن كل أشكال التعويض وتحقيق المواعيد في هذه الحياة حتى التي من يد الرب نفسه؛ ليست هي الأجرة الحقيقية لهؤلاء الذين طافوا في جلود غنم وجلود ماعز!
وعُيروا باِسم البر؛ لأن يومًا آت بغير شك؛ تصير فيه خفايا القلوب ظاهرة أمام الجميع وسيكون المدح لكل واحدٍ من الله؛ فيذهب هؤلاء إلى حياة أبدية ومجد أبدي؛ وأما أولئك فإلى العار والازدراء الأبدي: "قال له أبراهيم (أي للغني) يا ابني أذكر أنك قد استوفيت خيراتك في حياتك ولعازر البلايا والآن هو يتعزى وأنت تتعذب"
الذين لم يضعوا خوف الله أمام عيونهم وشبعوا من مجد وعيون الناس؛ سينتظرون بغتة هذه المواجهة مع الدينونة الأبدية والعار والازدراء الأبدي لأنهم أحبوا مجد العالم والناس أكثر من مجد الله!