الجريمة البشعة التي إرتكبها داود الشاب الصغير في نظر شاول الملك؛ أنه قتل جليات بطريقة إعجازية وخلص شعبه وشاول نفسه من الوقوع عبيدًا في يد الفلسطينين! طبعًا لأن إنجاز داود أحدث مواجهة ومقارنة مع ما لم ينجح شاول في إنجازه؛ ومن ثم إستشعر شاول الملك؛ الخطر من شاب في بداية عشرينيات العمر؛ أنه سيأخذ منه كرسيه!
فطلب شاول الذي صار واضحًا عليه أنه قد بُغِت من روح ردئ؛ أن يقتل داود؛ الذي هرب وإختبأ مع رهط من مؤيديه في مغارة عين جدي ومن ثم خرج شاول بجيشه يبحث في البرية عن داود ليقتله؛ وإذ تعب من السعي في البرية وراء داود؛ دخل مغارة ليستريح؛ وكانت نفس المغارة التي يختبئ في جوفها من الداخل داود ورفاقه؛ دون أن يكتشف شاول وجود داود بداخل المغارة.
حاول أحد رفاق داود أن يقتل شاول النائم في مدخل مغارتهم؛ لكن داود منعه وإكتفى بقطع جبة الملك النائم دون أن يؤذيه؛ حتى إستيقظ شاول من نومه وعبر إلى الناحية الأخرى؛ فخرج إليه داود ومعه طرف جبته المقطوع ليعلن له "أن الله لا يترك عصا الأشرار تستقر على نصيب الصديقين لئلا يمد الصديقون أيديهم للإثم" وأن رعاية الله ومحبته كانت تشمل مغارة داود لتنقذه من شر شاول ومنحت لشاول نفسه صفحًا وفرصة أخرى لم يستفد بها!
وكان بيت شاول يذهب يضعف؛ وبيت داود يذهب يتقوى؛ حتى جاء اليوم الذي سقط فيه شاول في الحرب؛ وتحققت كل مخاوفه وتوج داود ملكًا عوضًا عن شاول.
وبهذه الأحداث تحولت مغارة داود التي شملتها محبة الله التي سكنت قلب داود؛ إلى معبر لتتويج داود في القصر الملكي عوضًا عن شاول؛ بالمقابل سمع الآخرون الذين إختاروا رفض طاعة صوته يقول لهم: يا من جعلتم بيتي وبيت أبي مغارة لصوص؛ هوذا بيتكم (الذي لم يعد بيتي) يترك لكم خرابًا.
فلأنهم جعلوا بيته بيت الصلاة والمحبة؛ مغارة لصوص وقتلة! حتى جاء القائد الروماني تيطس وخربه وهدمه مع خراب أورشاليم سنة ٧٠م
وهذه هي عبرة التاريخ: أن المحبة جعلت مغارة عين جدي قصرًا لمُلك داود الإنسان المحب "وجدت داود بن يسي رجلًا حسب قلبي" بينما الكراهية والكبرياء ورفض طاعة صوت الرب حولوا الهيكل العظيم الذي بني في ٤٦ عاما؛ إلى خراب وأنقاض.