أعرف جيدًا التاريخ ويعرفه معي كل الذين إستناروا بفكر آباء الكنيسة الأولين؛ أن كنائس المشرق وقعت تحت تأثير و ضغط حادثين تاريخيين كبيرين أوصلانا إلى ما صرنا عليه من فقدان الكثير من جذورنا المسيحيه الأصيلة؛ الحدث الأول هو مجمع خلقيدونيه المشئوم وما نتج عنه من عزلة للكنائس المشرقية؛ والثاني هو الفتح العربي وما نتج عنه من عودة الموروث اليهودي من نافذة العيش المشترك مع المسلمين تأثرًا أو حوارًا أفضى إلى دخول مفاهيم من الموروث اليهودي و الإسلامي إلى الفكر المسيحي الشعبوي؛ مثل فكرتنا عن الجنة والنار ، وجنة عدن، والبعث والثواب والعقاب .. وهكذا.
جوهر المشكلة بهذا الصدد هو أن الديانتين الكبيرتين اليهوديه والإسلام قامتا على أساس الشريعة وما تتضمنه الديانة الشريعية من فكرة الجريمة والعقاب كرادع لها؛ وبالتالي فإن موروث الديانتين أكد على أن النار الأبدية نار مادية حقيقية تحرق؛ وأن جنة عدن كذلك؛ وهذا في الواقع مختلف عن اللاهوت المسيحي في التأسيس والفهم الذي لا يتأسس على الشريعة والعقاب؛ بل على التجسد و الاشتراك في الحياة الأبدية من خلاله بالاتحاد بالمسيح من عدمه! ومن ثم إنعكست فكرة: مادية النار الأبدية على عدم فهم الحرب الروحية أيضًا وكذلك دينونة إبليس! فإذا كانت النار الأبدية نار مادية حقيقية طبقًا للديانات الشريعية؛ فكيف تطبق عليها كلام المسيح في الإنجيل؛ أنها معدة لإبليس وملائكته؛ فكيف ستحرق بالنار من هو أصلاً مخلوق من النار؟! وليست هذه هي الإشكالية الوحيدة في فهم ماهية النار الأبدية التي سيلقي فيها الشيطان؛ ولكننا نجدها مرة أخرى في سفر الرؤيا: أنها بحيرة النار و الكبريت التي سيلقي فيها إبليس! الطريف في الموضوع أن بعض المسيحيين يقاتلون من أجل البرهنة على أن فهم النار المادية العقابية هو المفهوم القديم والأصيل! غير مدركين أنه قديم قدم حالة العزلة التي تلاها الفتح العربي؛ ولكنه ليس قدم التعليم الرسولي ولا الآبائي!
أسهبت الشرح في مقدمة طويلة حتى أنبه الأذهان التقية التي تعيش في النور وتطلبه إلا أن إبليس المخلوق من النار لا تحرقه النيران المستعرة؛ ولكن لأنه روح البغضة والنجاسة والشر؛ فإن ما يحرقه ويبطله هو روح المحبة والقداسة وكل أشكال وتفاصيل الثبوت في الحق ووصية الإنجيل؛ وهذه هي أسلحة محاربتنا القوية جدًا القادرة على هدم حصون الشر وكل مكايد إبليس وأعماله الشريرة والمدمرة للعالم وللإنسانية؛ وأن العكس صحيح تمامًا فالوقوع تحت سلطان الشر والأنانية وسائر خداعات شهواته يوقعنا تحت سلطانه وشروره! و عليه يصبح طوق نجاتنا وسلاح غلبتنا على مكايد وأعمال إبليس الشريرة ضد كنيسة المسيح وضد البشرية؛ بأن نقاومه راسخين في الإيمان بأدوات السهر بالروح؛ وبالمحبة والقداسة والثبوت في المسيح وحق الإنجيل.