بسبب عصور الظلم والضعف؛ والانفصال عن فكر الآباء؛ التي مرت بها الكنيسة المسيحية؛
وما خلفته لنا العصور الوسطى من تشويش؛
فقد تحول فهم التسليم والتسلسل الرسولي في الكنيسة من كونه عمود جوهري من رواسخ البناء وتأسيسه: إلى كونه تعويذة لنقل التكليف؛ أو تفويضًا بممارسة المهنة الكهنوتية!
وبدايتنا للفهم ستذهب بنا إلى استعلان سر الثالوث الأقدس للبشرية على نهر الأردن: وشهادة الآب السماوي لتجسد نوره الوحيد والروح القدس نازلاً من السماء ومستقرًا عليه: وهذا هو الإعلان الذي تأسست عليه كنيسة العهد الجديد: "طوبى لك يا سمعان ابن يونا؛ إن لحمًا ودمًا لم يعلن لك هذا ولكن أبي الذي في السماوات، وأنا أقول لك أيضًا: أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي" (مت ١٦: ١٧، ١٨)
وفي عصور الضعف صار الجدل؛ هل الصخرة هي بطرس الإنسان أم هي إيمان بطرس؛ والتصحيح هو أن بطرس الرسول؛ ليس مجرد بطرس الإنسان ولكنه الإنسان الذي يحمل التسليم والإعلان الإلهي؛ وهذا هو معنى الرسول والتسليم؛ فلا إعلان بدون إنسان يستلمه ويحمله ويعلنه؛ وكذلك الإنسان بدون الإعلان ليس رسولاً!
فما يجعل من الانسان رسولاً هو استلامه للروح القدس وإعلان الابن له؛ "أن يعلن ابنه فيَّ لأبشر به بين الأمم" (غل ١٦/١) وبهذا المعنى دعيَّ رسول الأمم؛ ولم يكن من مجموعة التلاميذ الذين دعاهم الرب رسلاً؛ بينما التلميذ الخائن الذي كان مدعو رسولاً؛ طُرح إلى خارج وهلك!
التسلسل الرسولي حق إنجيلي أصيل في تأسيس الكنيسة وبنائها وامتدادها؛ لأنه جسر سريان استلام وتسليم الروح القدس وإعلانه ومواهبه من الرأس المسيح إلى باقي فروع الكرمة الممتدة الواسعة؛ ولكنه ليس تعويذة ولا إرثًا ولا سلعة تباع وتشترى؛ ولا عمائم وثياب!
فإذا فقد الإنسان محبة الله التي بالروح القدس وامتلأ عوضًا عنها بروح الحقد والانتقام؛ أو إذا خلا الإنسان من كل مسحة واستنارة؛ هل يظل أيضًا حاملاً للروح القدس وناقلاً للتسلسل الرسولي؟! أم أن الصحيح هو أنه ينقل إلى تلاميذه ويسلمهم نفس الروح الذي كان ظاهرًا وطافحًا عليه؛ يراه الذين من خارج؛ قبل أن يكتوي بناره ومرارته الذين هم في الداخل!
والذي لم تعد العين البصيرة تخطئ التمييز؛
أن ما كان في المعلم من حقد وانقسام وتكفير! قد أورثه لتلاميذه
فهل ما عندهم هو تسلسل رسولي لتسليم الروح القدس ومواهبه؛ أم تسلسل لتسليم روح الحقد والانقسام والكراهية؟!
فامتحنوا أنفسكم هل أنتم في الإيمان؟
فتعرفون الحق؛ والحق يحرركم!