دعوني أبدأ معكم حديث اليوم بإعادة سرد ملخص سريع جدًا لرائعة تولستوي "الملك عريان"طبعًا بطريقتي!
أن ملكًا مزهوًا من فرط التعظيم والسجود أمامه؛ طلب أن تصنع له حُلّة منسوجة بخيوط أشعة القمر؛ حتى أتى إليه نصاب محترف من مملكته وصنع هذه الحُلّة "الوهمية" التي لا ترى طبعًا بالعيون المجردة! وألبسها له؛ وأثنى الوزراء والعظماء "المنافقين طبعًا" على روعة وجمال وعظمة وبهاء حُلّة الملك المغرور وترزيه النصَّاب؛ إلا أن طفلة صغيرة بريئة لا تعرف ما هو الكذب ولا النصب؛ صاحت في وسط موكب الأحتفال بالحُلّة القمرية للملك والنصَّاب: ها ها ها الملك عريان!
أنا لم أقصد؛ ولا كنت أتصور يومًا أنني سأقوم بثورة؛ لا لشئ إلا لأنني كنت شابًا صغيرًا في بداية بداية العشرينيات من عمري؛ ولكن رحلة تبعيتي لطاعة إنجيل المحبة كانت قد بدأت بالفعل بالتوازي مع بداية شبابي المبكر؛ فلم أكن بالفعل أعرف ما هو الكذب ولا ما هو النفاق طبعًا بالتالي؛ وكنت متصورا أنه إذا كان هذا هو حالي أنا الصغير؛ فما بالك بقادتنا ومعلمينا الكبار!
ونحن طلبة؛ كان لي زميل صديق فنان وشاعر؛ أطلعني على أبيات نقدية كتبها كان مطلعها:
هل يكفي أن تحيا يا قدسه
تضع العمة والألقاب
ويقبل قدميك ويضحك
على ذقنك كل من سال لعابه!
كانت أبيات شعر زميلي ونحن شباب صغار؛ كمن ينبهني؛ أن أنظر إلى موكب الزعيم بحُلّة خيوط القمر؛ والجميع يتملقون وينحنون له؛ ولأنني لم أعرف الكذب؛ فقد وجدت طفلة تولستوي واقفة إلى جواري ووجدت نفسي أخجل من الموقف ومن براءتها وأردد معها عبارتها: الملك عريان!
لقد قطف زميلي مكاريوس من شجرة معرفة الصدق والنفاق وأعطاني؛ فإنفتحت عيني لأرى الحقيقية أن "الزعيم عريان"! تحول الجميع إلى مجاملة الزعيم ونظروا إلى معا بحنق صارخين في وجهي: إخرس! كذّاب! الملك ليس عريانا!
كان أمامي أحد خيارين؛ أن أخاف وأكذب مثلهم ومعهم؛ فعلى الأقل أسكت! أو أن أظل على صدقي؛ وأحتقر ريائهم ونفاقهم؛ وأظل أصرخ بصوتٍ عالٍ: الملك عريان.
ولأنني وقتها كنت شابًا صغيرًا؛ فقد كنت مندهشًا من موقف العظماء والنبلاء ونفاقهم للزعيم الذي لم يزعجني موقفه! بقدر ما أزعجني وقتها موقفهم! فقد كنا كلنا من الكبير إلى الصغير نعرف أن الزعيم مصاب من صغره "بالبارانويا"؛ لكن لماذا ينافقونه؟! ولماذا يكذبون!
كما أنني كنت متألمًا: من أنها ليست غلطتي أن الزعيم عريان؛ وأنا لم أٌعرِّه؛ بل عَرَّاه غروره وذلك النصاب؛ وأنني أصرخ اليه لكي يستر عريه برداء فلا يروا عريته ويهزأوا به؛ فلماذا يكون رد فعلهم الانتقام مني؛ وإبقاء الزعيم على حاله وعريه؟!
لكنها كانت نقطة التحول والبداية الصحيحة لرحلة الوعي والمواجهة! أن الصورة الحالمة التي كونتها قصص الكتاب المقدس في طفولتي وشبابي؛ غير حاضرة في واقعنا المتدين؛ وأن الحقيقة هى أن العالم قد وضع في الشرير؛ وأن كنيستي بحاجة إلى صدق المحبة أكثر من الوعظ؛ وأن صدق الشهادة الحق قد يكلفني يومًا حياتي أو ما تبقى لي منها!
وكذلك مر وقت ليس بقليل؛ حتى أدركت وتعلمت أسرار معركة الحياة:
أن الظلام الذي في العالم كله لا يقدر أن يطفئ شمعة واحدة، وأن صوت واحد ينطق بالحق؛ أقوى من آلاف الحناجر التي تصرخ بالكذب والنقاق، وأن الاتكال على الرب خير من الاتكال على الرؤساء؛ الذين تخرج روحهم فيعودون إلى ترابهم؛ في ذلك اليوم تهلك كافة أفكارهم، وأن لي الحياة هي المسيح والموت ربح، فإذا لم أوظف حياتي وأيامي في الشهادة للحق والحقيقة؛ فلا معنى لحياة الجبناء والخائفين.
فيا كل الخائفين؛ سيأتي وقت يستعلن فيه الحق كاملا وكاشفًا لكل شيء؛ ويصير المدح لكل واحد من الله؛ وستندمون بخجل ومرارة كثيرة في ذلك اليوم أنكم نافقتم رئيس هذا العالم الشرير؛ العاري من كل نعمة وبركة ومجد