المحاولات المستميتة لتهويد المسيحية؛ قديمة قدم المسيحية؛ فبعدما باءت محاولات الاضطهاد والقتل والطرد من المجمع بالفشل في قمع تيار الإيمان المسيح المنتشر بين اليهود الأتقياء إنتشار النار في الهشيم؛ تحولوا فورًا إلى الغزو الفكري: للحفاظ على تسييد مرجعية الناموس؛ كأحد صور إخضاع الحركة التبشيرية المسيحية لسلطان اليهودية بالناموس! وإحتواء المسيحية في الإطار اليهودي كواحدة من الشيع اليهودية؛ خصوصا أن التلاميذ كانوا ملتزمين بنبوات أنبياء العهد القديم في تقديم الرب يسوع؛ أنه هو المسيا الذي تنبأ به الأنبياء؛ وأن كل الكتاب موحى به من الله
تصدى لهم من البداية الرسول بولس وسمى عملائهم بالاخوة الكذبة؛ والاغبياء "أيها الغلاطيون الأغبياء" ونكّل بهم فكريًا ولاهوتيًا في رسائله إلى غلاطية والعبرانيين ورومية؛ بعبارات قوية دامغة فاصلة: "الناموس لم يكمل شيئا"، "لو كان بالناموس بر فالمسيح مات بلا سبب"، "أعتقني من ناموس الخطية والموت"، "وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال"
مقاومًا كل محاولات تهويد المسيحية واستعادتها إلى الهيمنة اليهودية؛ أو إعادة فرض الناموس على المسيحيين
وعلى هذا المنهج من الفصل والتمييز بين القديم والجديد سار آباء الكنيسة الأولين ففصلوا الاحتفال بعيد القيامة عن عيد الفصح رغم أنه بنفس تاريخه! وأعلنوا: لا خلاص ولا تدبير خارج الكنيسة والإيمان بالمسيح؛ وأن كنيسة العهد الجديد هي إسرائيل الجديدة التي ستتم وتكمل فيها كل وعود الله بالأنبياء لإسرائيل القديمة التي لا وعود ولا خلاص ولا تدبير لها خارج تدبير الخلاص بالإيمان بيسوع المسيح
لم تتوقف محاولات التهويد عند هذا الحد على مدى التاريخ؛ حتى تحققت لهم أثمن أمانيهم في العصر الحديث بضم العهد القديم إلى الجديد في مجلد واحد (كانا مجلدين الأول ينتهي بالمزامير والثاني بالرؤيا) في مطبعة جوتنبرج بعد إختراع الطباعة؛ ثم وثيقة التآخي بين اليهودية والمسيحية في أمريكا التي سهلت ومهدت لتهويد المسيحية الأمريكية! وأٌلغيَّ ختام الصلوات العامة بإسم يسوع المسيح إحتراما لليهود! وصارت عظة الأحد في الكنائس بقراءة من العهد القديم؛ وغيره كثيرًا من أدوات التهويد الناعمة سنأتي إليها لاحقًا بمشيئة الرب.
وفي الوقت الذي إنفصل فيه أجدادي في مصر عن مرجعيات كتب آبائهم بسبب تعريب اللغة في مصر؛ كانت الإرساليات الغربية قد أتت بالمطبعة والمسيحية المتهودة إلى مصر بلدي؛ ليحل محل الجهل المطبق؛ المسيحية المتهودة! التي بالأسف الشديد تتلمذ عليها البعض ممن صاروا قادة في الكنيسة فيما بعد.
أول مجموعة من كتب الآباء باللغة الإنجليزية كانت التي أصدرتها جامعة أكسفورد (فيليب شاف) وكان قد أحضرها إلى مصر؛ وأهداها إلى دير السريان في بداية خمسينيات القرن الفائت؛ حيث كان هناك أبونا متى المسكين؛ وعكف عليها للدراسة؛ كان هو الدكتور شفيق أسعد (خالي العزيز) الذي كان يدرس الدكتوراه في أكسفورد في ذلك الوقت.
ومن ذلك التاريخ بدأ أبونا متى المسكين ينشر ويترجم ويتلمذ؛ فكر وتعليم الآباء؛ واصل مشواره تلميذه (معلمي المحبوب) الدكتور نصحي عبد الشهيد وأستاذي في الاكليريكيه د. جورج بباوي؛ وبعدهما تضاعفت أعداد الدارسين والكتب المنشورة والمترجمة، بعد إفتقاد الله لكنيسته بهؤلاء الأتقياء وغيرهم لنشر تعليم الآباء؛ يخرج علينا جاهل تماما بتعليم الآباء! قذفت به مجانية التعليم وضعف التعليم في الكنيسة العريقة؛ إلى كراسي المعلمين؛ ليصف تعليم الآباء: بأنه هرطقات هنا وهناك!!
ليس هذا هو سبب الحزن والبكاء فمن ثمارهم تعرفونهم؛ ولكن المحزن والمبكي إلى حد الصراخ والعويل؛ هو حالة الجبن والسلبية والانهزامية؛ التي يتواجه بها شباب قادر تعلم ودرس الآباء؛ مع شخص جاهل بتعليم آباء الكنيسة؛ يهين الآباء ويسمي تعليمهم هرطقات هنا وهناك!!