أبتدرتُ خدمتي بسؤالٍ للحاضرين في اجتماع الأحد بكنيسة القديس أثناسيوس: ما هي أوّلُ مرّةٍ في طفولتِك سمعتَ كلمةَ الله أو ربّنا في جملةٍ مفيدة؟
وقف أحدهم وأجاب: "ربّنا هيوديك النار"، وكانت هذه مشابهةً لخبرتي في طفولتي، فقد تعلّمتُ أن الربّ سيُعاقب الخطاةَ والأشرار بأن يُلقيهم في النار الأبديّة. هذا الترهيب لم يُثمر فقط صورةً مخيفةً عن الله، بل كان يُباعد المسافةَ بينه وبين الإنسان، ويُقدّم صورةً عن الله بعيدةً تمامًا عن إعلان الإنجيل.
زادَ الأمرُ تعقيدًا أنّني لمّا صرتُ شابًّا يافعًا أواظبُ على الكنيسة وأُصغي إلى المعلّمين الكبار فيها، كانوا يقولون لنا إنّ خلاصَ الإنسان ليس بالإيمان وحده، بل بالإيمان والأعمال، فما قيمةُ أن تؤمنَ ولا تعمل؟ وإنّ تلك الطوائف التي تُبشّر بالنعمة دون الجهاد الروحي ليست على صواب. وأنّ القديس أنبا مقار لمّا تنيّح جاءت الملائكة لتصطحب روحه في رحلة الذهاب إلى السماء، فجاء الشيطان يُجرّبه ويقول لروحه: طوباك يا أبو مقاره لقد وصلت، فكان أنبا مقار يُجيبه في كل مرّة: اذهب عنّي يا شيطان، فأنا ما زلتُ أُجاهد. حتّى دخل إلى مداخل السماوات، فقال: طوّبني الآن يا شيطان فقد وصلت.
لا أعرفُ الآن على وجه اليقين مَن المسؤول الحقيقي عن تشويه وطمس إنجيل المسيح بهذا الشكل؛ فلا المسيح قال إنّ الآب السماوي يُلقي بالبشر العصاة في جهنم النار! بل إنّ كلمة "جهنم" التي وردت على لسان المسيح هي استعارةٌ تشبيهيّة من وادي هنوم، التي تُنطق بالعبرية "جي-هنّوم"، وهو الوادي الذي كانوا يُلقون فيه النفايات والحيوانات الميّتة، وقد أضرموا فيه النيران لحرق النفايات بصورةٍ دائمة. وحتّى هذه الصورة التشبيهيّة لم يقل إنّ الآب السماوي هو من يُلقي الناس فيها، بل قال "يُلقىَ" بضمير المبني للمجهول في "جي-هنّوم".
هذا فضلًا عن أنّ إعلان العهد الجديد يقول إنّ إبليس هو ملكُ الموت، والذي له سلطانُ الموت (عب 2: 14)، وليس الآبَ السماوي، وإنّ المسيح نزل إلى الجحيم بالروح ليُخلّص المحبوسين والمقيّدين فيه (1 بط 3: 19)، وليس أنّه هو من يُلقي الناس في الجحيم الذي هو بيتُ الشيطان وسجنه ومعتقله الذي يأسر فيه النفوس: "خافوا من الذي بعدما يقتل له سلطان أن يُلقي الروحَ والجسدَ كليهما في جهنم". (الذي يقتل هو الذي يُلقي في جهنم)؛ فهل هو الآب السماوي أم الشرير؟!
في ذلك الوقت حُرمَ شابًّا كان في السنة النهائية في كلية الطب، في وسط زملائه من الشباب، لأنّه قال إنّ الله هو الذي يغفر الخطايا وليس الكاهن، فأجابه البطريرك: فإذًا أنت غير أرثوذكسي، وأنت محروم من الكنيسة!!!!
فهل هذا هو إنجيلُ المسيح: أنّ الخلاص ليس عطيةَ الله المجانيّة بقبول المسيح والاتّحاد به، بل بالجهاد وبعد خروج الروح من الجسد؟! وأنّ الله لا يغفر الخطايا إلّا إذا غفرها الكاهن أوّلًا بعد الاعتراف له بها؟! وأنّ الآب السماوي هو من يُلقي الناس في الجحيم، وليس أنّ إبليس هو من يعتقل ويسجن الأرواح التي تُطيعه في الجحيم؟!
الله محبّة، ومن يثبت في المحبّة يثبت في الله والله فيه… هكذا أحبّ الله العالم لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به… الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولادًا لله… أنا هو الطريق والحقّ والحياة… من آمن بي ولو مات فسيحيا، وإن كان حيًّا فلن يرى الموت إلى الأبد. هذا هو تعليمُ المسيح، فعودوا إلى إنجيل المسيح والحياة الجديدة، وتحرّروا من المسيحيّة اليهوديّة، والحقّ يُحرّركم.
بنسلفانيا – أمريكا
16 ديسمبر 2025