إعلان الإنجيل واضحٌ على لسان المسيح له المجد: "هكذا أحبّ اللهُ العالَمَ حتى وهَبَ اَبنَهُ الأوحَدَ، فَلا يَهلِكَ كُلّ مَنْ يُؤمِنُ بِه، بل تكونُ لَهُ الحياةُ الأبدِيّةُ." (يو 3: 16)؛ بخلاف الموروثُ التلمودي الذي تربّينا عليه جميعًا، وتعلمناه في البيت وفي الكنيسة، وهو أن الله غضب بسبب خطيئة وعصيان الإنسان في الجنّة، ومن ثمَّ حكم عليه بالموت والهلاك. وتبيَّن لي فيما بعد، من خلال الدراسة، أنَّ ذلك يتناقض مع الإنجيل ومع قصة سفر التكوين في التوراة نفسها.
فلم تقل قصة سفر التكوين في التوراة إن الله "حكم بالموت"، لأن اللهَ لا موتَ فيه حتى يحكم به؛ بل ورد في سفر التكوين تحذيرٌ من الخطيئة، إذ أنها مُجلبةٌ للموت: "... لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلاَّ تَمُوتَا." (تك 3: 3)؛ تمامًا كما أُحذِّر ابني: لا تشرب شرابًا مسمومًا لئلا تموت به. أما تطوير القصة إلى سياقٍ يُفيد بأن الله حكم بالموت، فهو إنتاجٌ يهوديٌّ تلموديٌّ انتقل إلى المسيحيين وغيرهم عبر تأثير الموروث اليهوديّ على الفكر الديني.
إذًا، من الذي يقتل، ومن الذي يهلك في جهنم النار، وقد أرسل الآب السماوي نوره (ابنه) ظاهرًا في جسدٍ إنسانيٍّ ليهب حياته للإنسان وينقذه من الهلاك؟ تأتي الإجابة على فم المسيح نفسه: "... لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ، وَبَعْدَ ذلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ. بَلْ أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ الَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ، لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: مِنْ هذَا خَافُوا!" (لو 12: 4-5) لقد فهم البعض – تأثُّرًا بالموروث التلمودي – أن هذا النص يخصّ الله، أي أن الله هو القادر أن يُلقي الروح والجسد كليهما في جهنم، دون الانتباه إلى العبارة: "الَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ... يُلْقِي فِي جَهَنَّمَ". فالذي يقتل هو الذي يُلقي في جهنم، فهل الآب السماوي هو "الذي يقتل"؟! أم أن إبليس، مستخدمًا الأشرار، هو الذي يقتل (يو ٨: ٤٤)؟
فالشيطان هو مَن يُعَذِّب الناس بعذابه وناره وشرّه (التي ليست النار التي نعرفها)، أما الآب السماوي فقد أَرسل نوره وحياته في الإنسان يسوع المسيح ليُنقذه من نار إبليس وعذابه، ويَهَبَه بدلاً من ذلك حياة الفرح الأبدي (الحياة الأبدية). الجحيم هو السجن والمعتقل الذي يأسر فيه إبليس مَن خدعهم بشهواته؛ أما المسيح فقد نزل بروحه إلى الجحيم ليحرّر المأسورين فيه بواسطة الشيطان (١ بط ٣: ١٩).
لم يقل الإنجيل أبدًا – كما تواتر الموروث التلمودي – إن الآب السماوي يُلقي الناس في جهنم النار؛ وكل المرات التي ذكرَ فيها الإنجيل عبارات "النار الأبدية"، و"العقاب"، و"يُلقى في جهنم"... كلها جاءت بصيغة المبني للمجهول، ولم تكن أفعالًا لله. أما عمل الله، فهو أنه أحب الإنسان ووهبَهُ حياته بنوره (ابنه) في المسيح يسوع: "وَهذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ." (1 يو 5: 11).
بنسلفانيا – أمريكا
١٦ ديسمبر ٢٠٢٥
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "لاهوت العهد الجديد" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/NewTestamentTheology