رأيٌ في الأحداث (٧٨) | رقعةٌ جديدةٌ على ثوبٍ عتيق:
Dec 18, 2025 13
980 79

رأيٌ في الأحداث (٧٨) | رقعةٌ جديدةٌ على ثوبٍ عتيق:

أُحضِرت إلى السيّد المسيح امرأة أُمسكت متلبّسة بالزنى، وعلى الرّغمِ من أنَّ التلبّس يقتضي وجود الرّجل المشارك في الخطيئة، إلا أنهم أحضروا المرأةَ وحدها قائلين: "مُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هذِهِ تُرْجَمُ..."(يو ٨: ٥) (تث ٢٢: ٢٣-٢٤). يوضّح الإنجيل أنهم كانوا ينصبون للمسيح فخًا، فإذا أمرَ برجم الزانية يكون قد تعَدّى على القانون الروماني، وإذا لم يأمر بذلك يكون متناقضًا مع ناموس موسى (يو ٨: ٦).

احترامي لحرية الإيمان ومعتقدات الآخرين يمنعني أن أجرح في أسلوب معاقبة المرأة دون الرجل، كما يمنعني من تقييم الرجم كوسيلة للعقاب والتقويم وهل هي إنسانية أم إلهية؛ ولكن إيماني بالإنجيل ورفض المسيح رجم الزانية، وإعطاؤه إياها فرصة للتوبة والحياة الجديدة بقوله: "اذْهَبِي وَلا تُخْطِئِي أيضًا" (يو ٨: ١١)؛ يمنعانني من قبول أن الآب السماوي هو الذي أمر موسى النبي برجم الزانية بكل هذه القسوة، وأن المسيح يسوع ابن الله جاء ليغير أو يصحح ما أمر به الآب!

الصحيح من وجهة نظري — بعيدًا عن الموروث اليهودي والتلمودي — بالاستناد إلى قرينةٍ أخرى: "قَالَ لَهُمْ: إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هكَذَا." (مت ١٩: ٨)، أن ليس كل ما أوصى به موسى النبي في شريعته — كالسماح بالطلاق لأي سبب، أو رجم الزانية — كان من عند الآب السماوي، بل كان استجابةً لقساوة قلوبهم بإذن من موسى؛ وإلا فكيف يكون الآب السماوي متناقضًا مع نفسه بين موسى وابنه يسوع المسيح!

ليس لي أن أدين أو أحكم — فالدينونة قد أُعطيت كلها للابن — إلا أنني أُنبه إلى أن خلط القديم بالجديد هو وضع رقعةٍ جديدة على ثوب عتيق: "وَإِلاَّ فَالْجَدِيدُ يَشُقُّهُ" (لو ٥: ٣٦)، وهذا ما حدث فعلًا في كنائس كثيرة في أمريكا: لقد انشقّ ثوب الكنيسة المحلية، وغادرها كثير من الشباب رفضًا لقبول القسوة الإلهية — حسب الناموس — التي يرفضها الإنسان المعاصر، ولا يقبل أن يكون الإله متناقضًا مع نفسه بين القديم والجديد أو خاضعًا لرغبات البشرية الساقطة وقساوة قلوبهم!

الخروج الجماعي بالملايين من عباءةِ الأديان يجعلنا نتواجه مع الواقع والحقيقة: أن الإنسان المعاصر الذي امتلك حريته وأعمال عقله وإرادته، لم يعد قادرًا على أن يتقبل تشريعًا منسوبًا لله بهذه القسوة التي تذبح الأطفال (عد ٣١: ١٧)، وترجم المرأة الخاطئة، وتنجس الطامث؛ مع المقارنة الصارخة بإعلان العهد الجديد عن محبة الله للخطاة، ومساواة المرأة بالرجل، وإعطاء المرأة الخاطئة فرصة للحياة الجديدة بدلًا من الرجم والموت.

أحترم موسى النبي وشريعته، وأحترم اختلاف المعتقدات مع الآخرين، لكنني أُشير إلى أن خلط المسيحية باليهودية أصبح أمرًا غير منطقي ولا مُقنع للإنسان المعاصر الذي اعتاد الحرية وإعمال العقل. كما أن الإصرار على التمسك بالموروثات القديمة والتلمودية في مواجهة إنجيل العهد الجديد أصبح أمرًا غير مقبول ولا محتمل، والنتيجة هي زيادة أعداد الذين يغادرون الإيمان أو يلحدون.

مواجهةُ الحقيقةِ والواقعِ، وتجديدُ الفكرِ والخطابِ الديني، هو الإجابةُ الصادقةُ والأمينةُ على احتياجِ الإنسانِ المعاصر، بدلًا من أن نضعَ رؤوسَنا في الرمالِ باسمِ الحفاظِ على الموروثِ والتمسُّكِ بالقديم

وهذا رأيي في الأحداث.

بنسلفانيا – أمريكا

١٥ ديسمبر ٢٠٢٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath

Powered By GSTV