لاهوت العهد الجديد (٣٢) | المَرأة.. الحُب.. الزَواج..
Dec 14, 2025 5
980 79

لاهوت العهد الجديد (٣٢) | المَرأة.. الحُب.. الزَواج..

اعتدنا عند قراءتنا للفصل الرابع من إنجيل القديس يوحنا، حينما نأتي إلى لقاء السيّد المسيح بالسامرية، أن نذهب مباشرةً إلى المعنى الروحي "للماء الحي"، أي الروح القدس كدواءٍ حقيقيٍّ لعطش الإنسان وحاجة البشريّة. وغالبًا ما نتجاهل – ولا أظنّه تجاهلًا متعمّدًا – الأبعاد الجوهرية والأساسية لهذا اللقاء بالنسبة لقضايا الإنسان والمجتمع: كالزواج، والمرأة، والحب.
ما زلنا في كثير من مجتمعاتنا الشرقيّة نعاني من الموروث اليهوديّ الذي انتقل إلى بقية الثقافات والديانات؛ ذلك الذي يُحقِّر من شأن المرأة، أو يُقلِّل من قيمتها، ويَسلُبها حقوقها وإنسانيتها! فقد كان – ولا يزال في بعض المجتمعات – الرجل هو مَن يأمر بالطلاق منفردًا دون مشاركة المرأة، فتخرج المسكينة خاوية الوفاض، مكسورة القلب والرُّوح، مهجورة من محبة الرجل ورعايته وصحبة الأبناء.
مجرد أنْ أعطى المسيح أذنه ليَستمع إلى شكوى امرأة ويجيبها، كان أمرًا ثوريًّا في المجتمع اليهودي آنذاك: "وَعِنْدَ ذلِكَ جَاءَ تَلاَمِيذُهُ، وَكَانُوا يَتَعَجَّبُونَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ مَعَ امْرَأَةٍ ..." (يو ٤: ٢٧). لكن المسيح لم يُرِد فقط أن يُعيد للمرأة مكانتها كإنسان، ويهتم بواقعها ويُحاورها؛ بل قرّر أن يَـسْبُرَ أغوار النفس البشرية، ويُداوي جُرحها العميق، الذي ينكشف على المرأة أكثر من الرجل: إنه العطش إلى الحُب.
فلا الأطفال يرضعون حُبًّا حقيقيًّا في تنشئتهم، ولا يحق للشابةِ أن تبحث عن المحبة أو تبني زواجًا قائمًا على الحُب والعطاء – هذا في الشرق؛ أما في الغرب فقد ابتلعت المادية وعجلة الحياة والعمل إنسانية الإنسان، وأضحى "الحب" الذي تبحث عنه المرأة في الشرق جنسًا منفلتًا بلا حُب ولا ضوابط بين الشباب في الغرب.
لم يعد للحب مكانٌ في حياة الإنسان ولا في تنشئة الأبناء؛ وحلّت المصلحة والجنس محل الحب في الزواج والعلاقات الأسرية. وهكذا صار عطش الإنسان عميقًا بلا ارتواء، فيذهب إلى الخيانة أو الطلاق (أو التعدد) بحثًا عن ارتواءٍ مستحيل. فتتوجّه أصابع الاتهام كلُّها نحو المرأة الممنوعة من الحُب والكرامة والأمان باسم العفّة والشرف وتفوّق الرجل، أو تكون الأسرة نفسها هي ضحية غياب الحب.
الإنجيل وضع حلولًا ثورية لمشكلة المرأة والحب والزواج: فقد جعل المرأة مساوية للرجل، وربط خضوع المرأة لرجلها – وليس لجنس الرجال – كردٌّ على محبة الرجل. كما ألغى ديكتاتورية الرجل في الطلاق، والأهم من كل ذلك، أسّس الأسرة والزواج على المحبة المكرّسة للآخَر، وبهذا فتح الطريق ليتدفق الحُب إلى الحياة الزوجية، ومنها إلى الطفولة والحياة الأسرية والتربية؛ فارتوى عطش الإنسان إلى الحب من جهة، وفاضت محبة الله في قلوب البشر (رو ٥: ٥) من جهة أخرى.
فهل تحتاج المجتمعات البشريّة إلى ثورة اجتماعية وأخلاقية تعيد للأسرة والزواج كرامة ونقاوة المحبة؟ على الأقل إن لم ينجح المجتمع في إحداث هذه الثورة الإيجابية، فهذه مسؤولية كنيسة المسيح: أن تطبّق إنجيل المحبة وتُعلِّم بوصية المسيح – وليس بتقاليد البشر – لبناء الأسرة والإنسان.

بنسلفانيا – أمريكا
١١ ديسمبر ٢٠٢٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "لاهوت العهد الجديد" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/NewTestamentTheology

Powered By GSTV