كيف يؤمن أصحابُ الأديان بإلهٍ يتلذّذ بعذابهم وآلامهم، وهو يراهم من أعلى سمائه دون أن يتحرّكَ له ساكنٌ لإنقاذهم أو حتى تخفيفِ ألمِهم، كأنّه يحقّق القول: "أبانا الذي في السماوات، ابقَ فيها"؟
الصورةُ التي قدّمتها الأديانُ بواسطةِ قادتها وأنبيائها ومعلّميها الذينَ لم يرَوا الله، عكست صورةً متّسقةً مع واقعِ ثقافاتهم وخبراتهم ومجتمعاتِهم، ولم تعكس الصورةَ الحقيقيةَ لله كما أعلنها المسيح، الذي قدّم نفسه للبشرية بصفةِ أنّه نورُ الآب، ابنُ الله. فعندما نقرأُ الإنجيل، نرى الإلهَ الذي أظهره المسيح يجولُ يصنعُ خيرًا، ويشفي المرضى والمتألّمين والمصروعين والمجانين والمقيّدين بالأرواح الشريرة (أعمال ١٠: ٣٨)، ويعزّي الحزانى ويقيمُ الموتى (لوقا ٧: ١٣-١٥)، ويعتني بالفقراء والمهمّشين (لوقا ١١: ٤١، متى ٢٥: ٣٥)، ويجالس الخطاة والمنبوذين (مرقس ١: ٤٠-٤١).
ويقول: "لَا يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى... لِأَنِّي لَمْ آتِ لِأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ" (متى ٩: ١٢-١٣). ويعلّم الناس: "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ" (متى ٥: ٤٤).
ويقول أيضًا: "فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى الْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لِأَخِيكَ شَيْئًا عَلَيْكَ، فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ، وَاذْهَبْ أَوَّلًا اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ" (متى ٥: ٢٣-٢٤).
لقد أشبعَ الجياعَ الذين كانوا يستمعونَ لِعِظاتِه (متى ١٤: ١٥-٢١)، وباركَ عملَ الصيّادين بالصيدِ الوفير (لوقا ٥: ٦-٧).
وبالإجمال، فإن قراءةَ الإنجيل تخبرُنا بأن المسيح لم يُهمِل واحدةً من آلامِ أو احتياجاتِ البشرية إلا واعتنى بها. وهذا هو الإلهُ الذي أعرفه، والذي كان أمسًا وما يزال اليومَ وغدًا، يهتمُّ ويعتني باحتياجاتِ البشر الذين يطلبونه بمحبةٍ وإيمان.
هذه هي الصورةُ التي يقدّمها الإنجيل عن الإلهِ المُحبّ للإنسان والمعتني به، وهي صورةٌ تختلف بالطبع عن الصورِ الأخرى – التي يتحدثُ عنها صاحبُ السؤال – للإلهِ الذي لا يفعلُ شيئًا للبشر ولا يُبالي بآلامِهم وعذاباتِهم واحتياجاتِهم.
بنسلفانيا – أمريكا
٢ ديسمبر ٢٠٢٥
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "لاهوت العهد الجديد" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/NewTestamentTheology