لاهوت العهد الجديد (١٩) | كيف هان عليهم الإنجيل؟!
Oct 12, 2025 5
980 79

لاهوت العهد الجديد (١٩) | كيف هان عليهم الإنجيل؟!

أحاولُ في الوقت الراهن أن أتابع حركة الفكر والفلسفة التي أدّت إلى تنامي الإلحاد في العصر الحديث، فلفتَ انتباهي أثناء هذا البحث: أنَّ ما نعيش عليه من أحوال سياسية هو نتاج الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما نعيش عليه من فكر وفلسفة هو نتاج فلاسفة عصر التنوير؛ وكأنَّ العقل الإنساني قد نضب وعجز وتوقَّف عن التفكير، واختزل الإبداع في الفن المسرحي والتمثيل!
الأمر نفسه حدث على المستوى المسيحي: فقد نبت قادة حركة الإصلاح من واقع مسيحي في منتهى الضعف، وواجهوا - شأنهم شأن فلاسفة عصر التنوير- كنيسةً تعوزها مراجعة مسيحيتها وانتمائها لإنجيل المسيح. من ثمَّ فإنني أرى أنَّ غاية الظلم والتخلّف أن يظلَّ هذا الجيل، الذي يعاصر انفجار ثورة المعلومات، محكوماً بأفكار الفلاسفة والقادة الدينيين الذين نبتوا في بيئة أضعف فكريًا وحضاريًا ومعرفيًا مما وصل إليه هذا الجيل. وبرأيي، فإنَّ هذه الضحالة والجمود والتبعية الفكرية لعصور ضعف الكنيسة، هو أحد أسباب تنامي الإلحاد.
كان أول سؤال طُرِحَ عليَّ عندما عدت إلى أمريكا في آخر رحلة لي للاستمرار: كيف يأمر الله يشوع بن نون أن يذبح أطفال أريحا؟ فكان ردي على الفور: ومن قال إنَّ الله هو الذي أمر يشوع بن نون أن يذبح أطفال أريحا؟! فكان الرد الفوري: إنه الكتاب المقدس! الموحى به من الله. عندها فتحت كتابي المقدَّس على هذا النص الذي يتداوله الناس: "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ،" (2 تي 3: 16). طبعاً، فتحته في نسخته اليونانية مع ترجمة ما بين السطور، لكي أكتشف الحقيقة المُرّة التي قصدت أن أفجعكم بها جميعًا، بإعادة نشر النص باللغة اليونانية مع ترجمة بين السطور على وسائل التواصل الاجتماعي: أن عبارة "كل الكتاب" هي في الحقيقة مكتوبة "كل كتاب":
“Every scripture inspired of God” (2 Timothy 3:16) American Standard Version
إذن، فلا يوجد نصٌ في الكتاب المقدس يُلزمني بكتب تاريخ الشعب اليهودي، ومنها سفر يشوع نفسه، على أنها موحى بها من الله، بل توجد عشرات النصوص التي تؤكد لي أن الجديد حلَّ محل القديم وكمل ما لم يقوَ على الإيفاء به، أولها كلام الرب نفسه في (مت ٥: ٢١، ٢٧، ٣١، ٣٣، ٣٨، ٤٣): " قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ... وأمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ". ثم كلام الرسول بولس الكثير في الرسالة إلى رومية وإلى غلاطية، مثل: "أَيُّهَا الْغَلاَطِيُّونَ الأَغْبِيَاءُ، مَنْ رَقَاكُمْ حَتَّى لاَ تُذْعِنُوا لِلْحَقِّ؟ ... أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ مِنْكُمْ هذَا فَقَطْ: أَبِأَعْمَالِ النَّامُوسِ أَخَذْتُمُ الرُّوحَ أَمْ بِخَبَرِ الإِيمَانِ؟" (غل 3: 1-2).
هل من التقوى ومحبة المسيح وطاعة الإنجيل أن أتمسّك بمقولات لقادة دينيين مسيحيين ظهروا في عصور الضعف، لم يدرسوا اللاهوت بل القانون والمحاماة، وأثبتت الأيام أنها كانت نظريات غير حقيقية! مثل انتظارهم لعودة المسيح (بعدما دخل إلى مجده) إلى أورشليم ليتعرّف عليه اليهود: الآن يستعدّون في أورشليم لاستقبال مسيحيهم الذي هو ضد المسيح يسوع!
أو أن يقولوا إنَّ وحي العهد القديم مساوٍ لوحي العهد الجديد!! هل وحي العهد الجديد ليس إلا كلمة الآب السماوي نفسه؟! فكيف يكون الابن الكلمة، الذي هو وحي العهد الجديد، مساويًا للكلمة النبوية التي تكلّم بها أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس؟
أليس هذا مشابهًا للتعليم الذي ثار عليه مارتن لوثر في الكنيسة الكاثوليكية: أن الخلاص هو بالإيمان (المسيح) والأعمال (ناموس موسى).
فلماذا هان عليهم إنجيل المسيح ورجعوا إلى الأركان الضعيفة (غل ٤: ٩)، وإلى قديم عتق وشاخ وصار قريبًا من الاضمحلال (عب ٨: ١٣)؟ فقد كشفت الأيام والأحداث حقيقة التعاليم والتفاسير التهويدية التي انتشرت في الغرب وفي أمريكا، والتي نقلوها من خلال البعثات التبشيرية إلينا في الشرق؛ لكنهم لم يأتوا إليكم في الشرق مرة أخرى ليقولوا: اكتشفنا أننا كنا مخطئين.
فعودةٌ إلى حق الإنجيل، لا إلى تبعية من هان عليهم إنجيل المسيح.

بنسلفانيا – أمريكا
٩ أكتوبر ٢٠٢٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "لاهوت العهد الجديد" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/NewTestamentTheology

Powered By GSTV