كورس في البدء كان الكلمة | المحاضرة الثالثة عشر | أنتم آلهة وبنو العلي
Sep 08, 2025 6
980 79

كورس في البدء كان الكلمة | المحاضرة الثالثة عشر | أنتم آلهة وبنو العلي

"أَنَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ." (مز 82: 6)


المقدمة

  • دار الحوار حول ألوهية المسيح. فقد أجاب اليهود المسيح قائلين: "لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا" (يو 10: 33). رد المسيح عليهم مستشهدًا بناموسهم: "أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ، فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟" (يو 10: 34-36).
  • تقديس ناسوت المسيح بالتجسد: إن الذي قدَّسه الآب وأرسله إلى العالم هو الإنسان يسوع. وقد قدّس الآب إنسانية يسوع بالتجسد، أي أن اتحاد اللاهوت بالناسوت هو الذي قدَّس الناسوت. ومن هنا ينشأ التساؤل: هل تألَّهت إنسانية المسيح بألوهيته أم لا؟
     

قضية التأليه:

  • تُعدّ هذه القضية قديمة قِدَم المسيحية، وكانت سببًا في انعقاد مجمع أفسس الأول والصراع اللاهوتي بين القديس كيرلس عمود الدين ونِسطور بطريرك القسطنطينية. رأى نسطور صعوبة في أن يكون ابن الله قد حُبل به في العذراء وصار طفلًا، ومرَّ بكل مراحل الحمل والولادة والطفولة. لذلك، ذهب نسطور إلى أن العذراء ولدت إنسانًا طبيعيًا، ثم حلَّ عليه الابن الكلمة وقت التعميد. تُعد هذه الفكرة أصل الموروث الإسلامي القرآني الذي يقول إن الرحمن اتخذ ولدًا، لأن كلام نسطور يفيد بأن الأب السماوي اتخذ من يسوع ابنًا بحلول الابن الكلمة عليه.
  • الفكرة الثانية في كلام نسطور هي اعتقاده بأن العلاقة بين الابن الكلمة (ابن الله اللاهوتي) والإنسان يسوع (الابن المتبنَّى) هي علاقة مصاحبة. وقد شبه هذه العلاقة في كتب اللاهوت بما يلي:
    - مرور الماء في الأنبوب.
    - الثوب يُخلع ويُلبس.
  • المغزى الأساسي في المشكلة النسطورية هو أن اللاهوت لم يتحد بالناسوت، بل حدث شكل من أشكال المصاحبة. وقد وصف هذا الرأي بقول "إن ناسوت المسيح لم يتألَّه"، وهذا هو منطوق النسطورية بالضبط.
  • التعليم الأرثوذكسي: اتحاد اللاهوت بالناسوت: للتأكيد على الإيمان الأرثوذكسي، تم صياغة نص الاعتراف في القداس الذي يقول: "لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير". وقد شرح القديس كيرلس عمود الدين هذا الاتحاد بمثال اتحاد الحديد بالنار. الحديد المحمَّى بالنار يحرق كنار، وفي الوقت نفسه له كل صفات الحديد. من أجمل التعبيرات في التراث القبطي ما ورد في ثيؤطوكية يوم الاثنين المنسوبة للقديس كيرلس عمود الدين، والتي تشير إلى العذراء مريم بأنها "معمل الاتحاد الإلهي الذي أتت فيه الطبائع المختلفة إلى اتحاد". هذا يعني أن اتحادًا كاتحاد الحديد بالنار قد حدث بين الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية. وبناءً عليه، فقد تألَّهت الطبيعة الإنسانية في المسيح.
  • تأليه الناسوت دون فقدان جوهره الإنساني: يرى البعض أن تألُّه الطبيعة الإنسانية يعني فقدانها لواقعها الإنساني وتحولها إلى طبيعة إلهية، وهي مشكلة أثارها أوطاخي. ولكن التعليم الأرثوذكسي يوضح أن: تأليه الطبيعة الإنسانية في المسيح لم يُفقدها صفتها الإنسانية. طور القديس مكسيموس المعترف مثال الحديد بالنار قائلًا: "كالسيف المحمَّى بالنار". فالشخص الواحد، الرب يسوع المسيح، يقطع كسيف ويحرق كنار.
  • مثال على تأليه الناسوت: معجزة شفاء المولود أعمى: يتضح تألُّه الطبيعة الإنسانية في المسيح من خلال حادثة شفاء المولود أعمى: لقد تفل الرب على الأرض وصنع من التفل طينًا وطلى به عيني الأعمى "قَالَ هذَا وَتَفَلَ عَلَى الأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ التُّفْلِ طِينًا وَطَلَى بِالطِّينِ عَيْنَيِ الأَعْمَى." (يو 9: 6). التفل فعل بشري ينتمي إلى الجسد، فهو لعاب امتزج بالتراب. لكن هذا اللعاب، بامتزاجه بالطين، خلق عينين. هذا يوضح كيف أن ناسوت المسيح قد تألَّه، فكما لا يمكن فصل الحديد عن النار في الحديد المحمَّى، كذلك اجتمعت وتحدت الطبائع المختلفة في شخص الرب يسوع المسيح. فجسد المسيح هو الطبيعة الإنسانية الأولى التي تألَّهت، وهو الذي قدسه الآب، جامعًا الجسد المخلوق باللاهوت غير المخلوق في شخص واحد.
  • توضيح الخلاف اللاهوتي حول الطبيعتين: الخلاف الذي نشأ بين الكنائس المشرقية وبقية الكنيسة العامة كان حول الصيغة اللاهوتية. القديس كيرلس عمود الدين قال بـ "طبيعة واحدة من طبيعتين". بينما الخلقدونيون قالوا بـ "طبيعتين متحدتين في شخص واحد". وقد أشار الأنبا غريغوريوس، الذي كانت رسالة الدكتوراه خاصته عن "الأثر المتبادل بين اللغة القبطية واللغة اليونانية"، في تقرير له عقب مجمع جنيف عام 1970م، أن الخلاف بين الكنيستين كان لفظيًا. أي أن الصيغتين تعبران عن الإيمان نفسه بأن لاهوت المسيح اتحد بناسوته كاتحاد الحديد بالنار، وأن ناسوته قد تألَّه بلاهوته.


تأليه الإنسان:

  • دلالة "كلمة الله" في يوحنا 10: 35 النص اليوناني في (يو 10: 35) يستخدم عبارة "θεοὺς πρὸς οὓς ὁ λόγος τοῦ θεοῦ ἐγένετο" آلهة إلى الذين صار إليهم كلمة الله. كلمة "كلمة" في اليونانية لها ثلاث مرادفات: لوغوس (λόγος)، ريما (ῥῆμα)، ولاليا (λαλία). "لاليا" تعني الدردشة، و"ريما" تُستخدم للكلمة العادية، أما "لوغوس" فتُشير إلى الابن الكلمة. في هذا النص، استخدمت الكلمة "ὁ λόγος" (هو لوغوس) بأداة تعريف المذكر، مما يؤكد أنها تشير إلى الابن الكلمة.
  • شرح القديس أثناسيوس وتأليه الإنسان بالنعمة: هذا التفسير يرجع إلى شرح القديس أثناسيوس الرسولي لهذا النص في رسائله إلى سرابيون عن الروح القدس. قال أثناسيوس: "فإن كان قد قال آلهة لأولئك الذين صار إليهم كلمة الله". استخدام حرف الجر "πρὸς" (بروس) في النص اليوناني، والذي يعني "عند متجهًا إلى"، يدل على أن الكلمة أُعطي لهم، أي الابن الكلمة. ويوضح أثناسيوس أن ذلك يعود إلى "نعمة اشتراكهم في الكلمة".
  • سر تأليه الإنسان: المشاركة في جسد المسيح المتأله يُشارك الإنسان في الكلمة بالتجسد. فالإنسان لا يستطيع أن يستقبل الكلمة مباشرة ليصير هو الكلمة المتجسد. الكلمة اتخذ جسدًا، وصار هذا الجسد هو جسده الشخصي، وقد اتحد اللاهوت به. نحن نشترك في جسده الذي صار ممجدًا ومتحدًا بكل مجد اللاهوت. اشتراكنا في الجسد المتحد بالكلمة يجعلنا شركاء في الكلمة من خلال الجسد. هذا هو معنى أن يسوع المسيح صار وسيطًا واحدًا بين الله والناس "لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ،" (1 تي 2: 5). فالتأليه الذي يحصل للإنسان هو تأليه بالنعمة، واشتراك في الطبيعة الإلهية دون فقدان لواقع إنسانيته. فالإنسان لا يفقد إنسانيته، فكما يقول المزمور: "أَنَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ. لكِنْ مِثْلَ النَّاسِ تَمُوتُونَ وَكَأَحَدِ الرُّؤَسَاءِ تَسْقُطُونَ" (مز 82: 6-7). نحن نُؤلَّه بالنعمة والعطية، وليس بتغيير الطبيعة أو بالاشتراك في جوهر الكلمة. بل نشترك في الكلمة من خلال الجسد، أي من خلال التجسد. صرنا شركاء في الطبيعة الإلهية، طبيعة الابن المتجسد الغالبة للموت.
  • التبني الحقيقي للإنسان: يعتقد البعض أن علاقتنا بالآب هي علاقة أخلاقية، أي أن الأب خلع علينا شرف البنوة، لكن هذا ليس جوهر المسيحية أو إنجيل يوحنا. المسيحية تعلم أننا صرنا شركاء المسيح ونلنا فيه نصيبًا "الَّذِي فِيهِ أَيْضًا نِلْنَا نَصِيبًا، مُعَيَّنِينَ سَابِقًا حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ،" (أف 1: 11). صرنا أيضًا شركاء الروح القدس "لأَنَّ الَّذِينَ اسْتُنِيرُوا مَرَّةً، وَذَاقُوا الْمَوْهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ وَصَارُوا شُرَكَاءَ الرُّوحِ الْقُدُسِ،" (عب 6: 4). وشركاء الطبيعة الإلهية "كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ." (2 بط 1: 3-4). نحن نُؤلَّه لأننا صرنا شركاء في الجسد، أي شركاء في الكلمة المتجسد من خلال جسده. نُؤلَّه أيضًا لأننا صرنا شركاء في الروح القدس "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1 كو 3: 16). كما نُؤلَّه لأن الجسد الممجَّد يحل علينا وعلى القرابين في سر الإفخارستيا، ونتحد بهذا الجسد الممجَّد. هذه الوسائل الثلاثة: النصيب في جسده، حلول الروح القدس علينا، والاتحاد بجسده الممجَّد، تجعلنا شركاء.
  • المسيح فينا أساس البنوة والاتحاد: إن الفكرة الأخلاقية للتبني تتناقض مع تعليم العهد الجديد. الكتاب المقدس يؤكد: "أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي" (يو 17: 23). وأيضًا "وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ، لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ" (يو 17: 26). و "الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ" (كو 1: 27). ما يجعل الإنسان ابنًا لله هو اتحاد الابن وحلوله فيه، من خلال الروح القدس والمشاركة في جسده. لا يمكننا الاتحاد بجوهر الله مباشرة، ولكننا نتحد بالكلمة من خلال التجسد. فجسد المسيح المتجسد صار هو الوسيط للاتحاد بالكلمة، وهذا هو معنى التجسد وقيمته.
  • الخلاص هو الاتحاد بالله: رد على الهرطقات: كان الهدف من كل النزاعات اللاهوتية ضد هرطقات آريوس ونِسطور وأبوليناريوس هو التأكيد على سر الخلاص وهو الاتحاد بالله. آريوس: منع الاتحاد بالله بجعله المسيح مخلوقًا وليس إلهًا، مما يلغي نوال حياة الله والحياة الأبدية. نِسطور: قسَّم المسيح، مما ألغى فكرة الاتحاد بالله. أبوليناريوس: منع اتحاد الروح الإنسانية بالكلمة.
  • العبارة الخالدة للقديس غريغوريوس النزينزي: "لأن كل ما لم يتحد بالكلمة لم يخلص". هذه البدع تلغي سر الاتحاد الروحي والنفسي والجسدي بحياة الله من خلال التجسد. فالإنسان يتحد بالله بالمسيح يسوع، والابن يحل فيه فيصبح ابنًا، وهذا ما يجعلنا شركاء الطبيعة الإلهية، كما يتضح في معجزة لعاب المسيح الذي خلق العينين.
  • التبني والدعوة الإلهية قبل تأسيس العالم: إن التبني ليس مجرد حادثة لاحقة، بل هو معروف ومدعو ومختار له الإنسان في المسيح يسوع من قبل تأسيس العالم. إنسانية يسوع المسيح كانت في قصد الله قبل خلق الإنسان، فالتجسد كان أساسًا لخلق الإنسان."كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ، إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ" (أف 1: 4-5).

      "الَّذِي فِيهِ أَيْضًا نِلْنَا نَصِيبًا، مُعَيَّنِينَ سَابِقًا حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ" (أف 1: 11).

  • دور الإنسان في الخطة الإلهية المُعدَّة سلفًا: إن الإنسان لا يخترع العجلة، بل هو ينفذ دعوة وخطة معينة مُعدَّة سلفًا من قبل تأسيس العالم. "لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا." (أف 2: 10). فالمؤمنون يعملون ويخدمون داخل جسد المسيح في مهمة معينة، وهم معيَّنون ومختارون فيها منذ تأسيس العالم بحسب قصد الآب السماوي.
  • برهان تأليه الإنسان من خلال أعمال المسيح والرسل: يُبرهن المسيح على أن الآب فيه وأنه قد قدسه وأرسله إلى العالم بأنه يعمل أعمال الآب. أعمال المسيح: "إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي. وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ" (يو 10: 37-38). أعمال المؤمنين: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضًا، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا، لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي" (يو 14: 12). إن ذهاب المسيح إلى الآب مكَّن من إرسال الروح القدس "لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ." (يو 16: 7)، الذي به يقوم المؤمنون بأعمال أعظم. يظهر هذا التأليه في شفاء المرأة نازفة الدم بلمس هُدب ثوب المسيح. كما يظهر في شفاء المرضى بظل بطرس "حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ الْمَرْضَى خَارِجًا فِي الشَّوَارِعِ وَيَضَعُونَهُمْ عَلَى فُرُشٍ وَأَسِرَّةٍ، حَتَّى إِذَا جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ." (أع 5: 15). ويظهر في إيمان قائد المئة بقدرة المسيح على الشفاء بكلمة واحدة، دون الحاجة إلى الحضور الجسدي "لِذلِكَ لَمْ أَحْسِبْ نَفْسِي أَهْلًا أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ. لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَيَبْرَأَ غُلاَمِي. لأَنِّي أَنَا أَيْضًا إِنْسَانٌ مُرَتَّبٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ، لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. وَأَقُولُ لِهذَا: اذْهَبْ! فَيَذْهَبُ، وَلآخَرَ: ائْتِ! فَيَأْتِي، وَلِعَبْدِي: افْعَلْ هذَا! فَيَفْعَلُ»." (لو 7: 7-8)، مما يعكس السلطان الإلهي الذي يعمل في تلاميذه أيضًا. الابن يحل فيَّ بالنعمة، وأعمال الآب تعمل فيَّ، "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا" (يو 17: 21). هذا الكنز لنا في أوانٍ خزفية "وَلكِنْ لَنَا هذَا الْكَنْزُ فِي أَوَانٍ خَزَفِيَّةٍ، لِيَكُونَ فَضْلُ الْقُوَّةِ للهِ لاَ مِنَّا." (2 كو 4: 7). فالإنسان ما زال يتعب ويمرض ويموت كبقية البشر "لكِنْ مِثْلَ النَّاسِ تَمُوتُونَ وَكَأَحَدِ الرُّؤَسَاءِ تَسْقُطُونَ." (مز 82: 7). لكن بالنعمة، لأن الابن فينا، يعمل أعمال الآب. هذا هو تأليه الإنسان.
  • الحياة الأبدية: مشاركة في حياة الله: إن الإيمان المسيحي هو الإيمان بـ "الإله الذي أشركني في حياته".المسيحية تعلِّم أننا اشتركنا في حياة الله، وحياة الله هي الحياة الأبدية. الحياة الأبدية ليست مجرد جنة ينعم بها الناس، بل هي حياة الله نفسه، حياة المسيح. لا يمتلك الخلود وعدم الموت إلا الله وحده. نحن صرنا شركاء المسيح وشركاء الحياة الإلهية، وهذا هو تأليه الإنسان. لذلك، فالأعمال الإلهية التي يعملها الابن تعمل فينا أيضًا، لكننا نظل نموت كبقية البشر "أَنَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ. لكِنْ مِثْلَ النَّاسِ تَمُوتُونَ وَكَأَحَدِ الرُّؤَسَاءِ تَسْقُطُونَ." (مز 82: 6-7). في انتظار قيامة الأموات.
  • الموت كطريق للخلاص:  إذا كنا ننال الطبيعة الجديدة والغلْبة على الموت والتأليه الطبيعي، فلماذا نموت؟ نحن ننال الغلبة والطبيعة الجديدة، لكننا نعيش في عالم فاسد ومُحيط بالشر. ولذلك، الموت بالنسبة للمؤمن هو طوق النجاة للخروج من هذا العالم الفاسد، في انتظار المجيء الثاني. الموت ليس انتصارًا علينا، بل هو "انتقال".
     

الخاتمة
ينبغي التأمل في مفهوم التغيُّر إلى صورة المسيح، وفي مفهوم التبني الذي يجعلنا أبناء بسبب سكنى الابن فينا. وتذكّروا وعد المسيح: "مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضًا، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا، لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي" (يو 14: 12).
تأملوا في معنى الإنجيل بأننا صرنا شركاء في الكلمة، وأن هذه الدعوة موجهة للمدعوين والمختارين من قبل تأسيس العالم.

 

عنوان المحاضرة القادمة: "خبز الحياة"

Powered By GSTV