لاهوت العهد الجديد (١٤) | أنبياءٌ يذبحونَ الأطفالَ!
Sep 07, 2025 15
980 79

لاهوت العهد الجديد (١٤) | أنبياءٌ يذبحونَ الأطفالَ!

سيدةٌ مصريةٌ مهاجرةٌ أرسلت إليَّ تقول: ابنتي الشابة تتساءل: كيف يأمر الله موسى النبي بقتل الأطفال (عد 31: 17)؟
والحقيقة أن القراءة المتأنية لهذه الحادثة بالذات لا تُظهِر أن التوراة قالت إن الله قال لموسى — الذي بدأ حياته بقتل المصري — أن يفعل هذه الجريمة الشنعاء! وإن كانت قد نسبت سَبْيَ الأطفال لله (تث 20: 14)، كما نسب يشوع بن نون فعلًا مشابهًا لله (يش 6: 21).
حقيقةُ الأمر — في رأيي — أن الله ليس قتالًا للأطفال، ولم يأمر واحدًا من الأنبياء بمثل هذه الأفعال الشنيعة، وإنما يشبه الأمر جنديَّ الحراسة الذي أُعطيَ سلاحًا يدافع به عن نفسه ويمنع به وقوع الجريمة، فيقتل به اللص! هكذا وظَّف أنبياء العهد القديم سلطانهم من الله ضد الإنسان. وأما عبارة "كُلُّ الكِتابِ مُوحًى بهِ مِنَ الله" (2 تي 3: 16)، فقراءتها الصحيحة — طبقًا للأصل اليوناني — هي: "كل كتابٍ موحى به من الله نافعٌ."
لقد كنا نقرأ الكتاب المقدس منذ الصغر، ولما كنا نعيش في مناخٍ دينيٌ مغلق، فقد تعلَّمنا أن اقتحام يشوع بن نون لأريحا هو بطولة ومعجزة انتصار إلهية. كان هذا في القرن الماضي، أما في القرن الحالي فقد صار نضج عقل الإنسان، وانتشار المعرفة من خلال الإنترنت والسماوات المفتوحة، سببًا في إعادة التفكير في موروثاتٍ دينية كهذه.
البعضُ يرى أن منع قراءة الكتب هو الذي سيحمي الدين والإيمان من المواجهة الحتمية مع صراع الأجيال، كما فعل الباباوات في العصور الوسطى وثار عليهم مارتن لوثر. والبعض الآخر يرى أن زيادة الجرعة الدينية أو مجاملة رجال الدين بالتصريحات أو بالإنفاق، هو ما سيجعل الشباب — الذي يغلي عقله بالتفكير — يرضخ لموروثاتٍ دينية تتناقض مع العقل والمنطق والتفكير في هذا العصر. بينما يرى آخرون أن الهجوم على المجددين من أمثالنا وغيرنا هو ساترٌ احتمائي من هجوم العقلاء على غير المعقولي في خطابهم الديني.
كرجلِ إيمانٍ مُخضرِم، دارسٍ للاهوت وقارئٍ للتاريخ، أرى أن خبرة فرض الإيمان بسيف السلطان أو بعنفوان السلطة وطغيانها أمرٌ قد عفا عليه الزمن، وأن الإنسان المعاصر قد امتلك حريته منذ أن قال مارتن لوثر للبابا: «لا». ولم يعد هنالك طريق لاسترداد ملايين الشباب الذين غادروا الأديان — في الغرب والشرق على السواء — سوى إعمال العقل، والتخلُّص من موروثات وتشريعات كانت مُرضية ومناسبة لعصورٍ غابرة، وإعادة فهم الإيمان وتقديمه للعقل الإنساني المعاصر بطريقة مناسبة ومنطقية.
على الأقل، هذه خبرتي وتجربتنا مع حركة التجديد اللاهوتي في الكنيسة الروسية Neo-Patristic Theology.

 

بنسلفانيا – أمريكا
١٥ أغسطس ٢٠٢٥

 

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "لاهوت العهد الجديد" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/NewTestamentTheology

Powered By GSTV