اِنعكَسَت آثارُ الصِّراعِ الأريوسيِّ، والنَّسطوريِّ، والفارسيِّ مع الإمبراطوريَّةِ البيزنطيَّةِ وكنيسةِ الإمبراطوريَّةِ المسيحيَّةِ – والذي كانت مِصرُ في قلبِه كالمعتاد – بشكلٍ متزايدٍ بعد ظهورِ الإسلامِ كديانةٍ رسميّةٍ للعربِ والفُرسِ في مواجهةِ الإمبراطوريَّةِ البيزنطيَّةِ؛ لا سيّما أن هناك نقاطَ تشابُهٍ وتماسٍّ متعدّدةً بين الإسلامِ والمسيحيَّةِ مع اليهوديَّةِ.
وقد مرَّ هذا الصِّراعُ بأشكالٍ متباينةٍ تُعبِّر عن تطوّرِ فَهمِ الإنسانِ لمعنى العلاقاتِ الإنسانيّةِ والقبليّةِ وحريّةِ الفكرِ والاعتقادِ، حتى وصلنا إلى عصرٍ صار فيه التّحرّرُ من الدِّينِ والحُكمُ عليه هو المُنافِسَ الحقيقيَّ للأديانِ، وأصبح التناطحُ بين أصحابِ الأديانِ أمرًا مُثيرًا للشَّفقةِ.
فقد شرحتُ للمثقَّفين وللعامَّة طبيعة السَّيِّد المسيح: أنَّ الآب السَّماوي أرسلَ كلمتَه (نورَه الأزليَّ) إلى البشريَّة، مُتَّخذًا من العذراء مريم جسدًا وطبيعة إنسانيَّة مخلوقة من الأرض، تُشبه بَشريَّتنا في كلِّ شيء ما عدا الخطيئة وحدَها.
ثمَّ شرحتُ الإيمان المسيحي بإلهٍ واحدٍ كُلِّيٍّ يُحيط بكلِّ شيء، ولا يُحيط به شيء، ولا تُدرِكه الأبصار، أرسلَ نورَه مُتجسِّدًا في المسيح ليُنير به كلَّ إنسان، وأرسلَ روحَه القدوس على بَشريَّتنا ليُقدِّسها؛ فالآب ونورُه (ابنُه) وروحُه القدوس لا يمكن تجزئته إلى ثلاثةِ آلهة، بل هو إلهٌ واحدٌ كُلِّيّ.
كشفتُ وأنا أشرح حقيقة الإيمان المسيحي كلَّ أدوات التَّشكيك واتِّهام الإيمان المسيحي بالشِّرك، وعبادة ثلاثة آلهة، أو أنَّ الله تزوَّج العذراء! حاشا!... إلى آخره من هذه الالتباسات غير البريئة المُتعمَّدة من البعض ضدَّ الإيمان المسيحي.
وبهذا دافعتُ عن أرثوذكسيَّة الإيمان المسيحي دون أيِّ تعرُّضٍ لإيمانات الآخرين، وبكلِّ محبَّة وتواضع قدَّمتُ للجميع السِّلاح والمفتاح الذي استخدمتُه: تجديد الفكر والخطاب اللاهوتي والديني.
أعرفُ جيِّدًا، من دراسة اللاهوت والتاريخ، أنَّ مزجَ الدِّين بالسِّياسة، مزجَ السِّياسة بالحرب، واللَّعب على صراعات وانشقاق الكنيسة المسيحيَّة في العصور الأولى، كان هو السَّبب الحقيقي لإعادة رسم خريطة المنطقة على النحو الدينيّ السِّياسيّ الذي نعيشه اليوم.
ويعرفُ العالم كلُّه أنَّ اختراع الإنترنت (الذي تُسيطر عليه المخابرات الأمريكيَّة) والساتلايت (بسيطرة شركات يهوديَّة) هما اللذان أحدثا ثورة تبادل المعلومات وصِراع الثَّقافات وتغيُّر التَّركيبة السُّكَّانيَّة: الإلحاديَّة والدينيَّة، حول العالم.
ما لم يُدرِكه البعض: أنَّ العالم قد تغيَّر تغيُّرًا جذريًّا، وأنَّ القوى التي تتحكَّم فيه قد توزَّعت بين مراكزُ قوى معروفة للجميع، ولم يَعُد اجترار أحلام الماضي، أو التَّخطيط للحاضر والمستقبل على أساس التَّاريخ والذِّكريات، إلَّا أمرًا مُثيرًا للشَّفقة ومؤدِّيًا إلى الخسارة والفشل. فالقوَّة العسكريَّة تُواجَه بالقوَّة، والفكر يُواجَه بالفكر، والتَّهالُك يُواجَه بالتَّجديد؛ أمَّا مواجهة ثورة الفكر والمعلومات بإثارة النَّعرة الدينيَّة، فهو أشبهُ بإعداد الخيول والفرسان في مواجهة حربٍ بالصَّواريخ والساتلايت!
التَّاريخ والأحداث تسيرُ وتتغيَّرُ بسرعةٍ مُذهلة، وأدوات الحرب والصِّراع التَّاريخيَّة صارت عبثًا مُضحكًا وسط أدوات الصِّراع والحرب المعاصرة.
بنسلفانيا – أمريكا
٢٩ أغسطس ٢٠٢٥
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath