كورس في البدء كان الكلمة | المحاضرة الثانية عشر | أنا الكرمة الحقيقية
Aug 25, 2025 3
980 79

كورس في البدء كان الكلمة | المحاضرة الثانية عشر | أنا الكرمة الحقيقية

:مقدمة

   من المفيد جدًا أن ندرس العهد القديم بعيون العهد الجديد لكي ندرك الكثيرمن المقابلات بوضوح. على النقيض من ذلك، فإن دراسة العهد الجديد بعيون العهد القديم قد تؤدي إلى نتائج خاطئة ومُخزية، فمثلاً، تشبيه ذبيحة المسيح وبقرابين البقر والمعيز والتيوس، أو القول بأن تقطيع البقرة إلى نصفين يرمز لطعن المسيح في جنبه، هو كلام مخزٍ لا يليق.

:المسيح الكرمة الحقيقية

     يقول الرب يسوع المسيح عن نفسه: "أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ" (يو 15: 1): فالسؤال هو: الكرمة الحقيقية مقابل ماذا؟ كان هناك كرمة أخرى معروفة لديهم، وعند دراسة العهد القديم من منظور العهد الجديد، تتضح مفاتيح الفهم:

    أ-الكرمة في العهد القديم: (ومخاطر الفهم العكسي)

  1. إسرائيل كرمة الله: يذكر سفر المزامير، في المزمور 80، الرب قائلاً: "كَرْمَةً مِنْ مِصْرَ نَقَلْتَ. طَرَدْتَ أُمَمًا وَغَرَسْتَهَا. هَيَّأْتَ قُدَّامَهَا فَأَصَّلَتْ أُصُولَهَا فَمَلأَتِ الأَرْضَ. غَطَّى الْجِبَالَ ظِلُّهَا، وَأَغْصَانُهَا أَرْزَ اللهِ" (مز 80: 8-10). هذه الكرمة التي نقلها الرب من مصر وزرعها، بحسب نصوص العهد القديم، هي إسرائيل.
  2.  كرمة إشعياء وإنتاج الثمر الرديء: ولتوضيح الأمر أكثر، ننتقل إلى سفر إشعياء النبي، الإصحاح الخامس، الذي يبدأ بنشيد الحبيب لكرمه. يصف الكرم بأنه على أكمة خصبة، تم تنقيبه وتنقية حجارته وغرسه كرمة سورق الفاخرة، وبُني برجٌ في وسطه ونقرت معصرة. لكن الكرم انتظر أن يصنع عنبًا جيدًا فصنع عنبًا رديئًا. ثم يدعو الرب سكان أورشليم ورجال يهوذا ليحكموا بينه وبين كرمه، متسائلاً عما كان يمكن أن يفعله لكرمه ولم يفعله. وبسبب هذا الثمر الرديء، توعد الرب بأن ينزع سياج كرمه فيصير للرعي، ويهدم جدرانه فيصير للدوس، ويجعله خرابًا لا يُقضَب ولا يُنقَّب، فيطلع شوك وحسك، ويوصي الغيم ألا يمطر عليه مطرًا.
  3. يؤكد النص في إشعياء 5: 7 أن "إِنَّ كَرْمَ رَبِّ الْجُنُودِ هُوَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ، وَغَرْسَ لَذَّتِهِ رِجَالُ يَهُوذَا". لذلك، عندما قال الرب يسوع المسيح: "أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ" (يو 15: 1)، كان يشير إلى هذه الكرمة. وكل من كان يستمع إليه كان يعلم جيدًا أن الكرمة التي نُقلت من مصر هي إسرائيل، وأن كرم رب الجنود هو بيت إسرائيل. فعندما قال الرب يسوع المسيح "أنا الكرمة الحقيقية"، كان ذلك يعني أن الكرمة الأولى (إسرائيل) قد أصبحت "زائفة" أو "غير حقيقية"، وهذا ليس وصفًا مهينًا من المتحدث، بل هو ما يشير إليه النص.

    ب- نقد اللاهوت التدبيري (Dispen­sationalism) لجون داربي:

  1. من المهم الإشارة إلى أن جون داربي في أواخر القرن التاسع عشر حاول إحياء الفكرة اليهودية بجانب المسيحية. لقد وضع تفسيرًا يعتمد على كلام الرسول بولس في رسالته إلى رومية ليُدلل على أن إسرائيل لم يرفضها الله. "لَمْ يَرْفُضِ اللهُ شَعْبَهُ الَّذِي سَبَقَ فَعَرَفَهُ" (رو 11: 2). هذا التفسير يعني أن إسرائيل لا يزال لها تدبير خاص.
  2. بلا شك أن ما سبق هو تناقض مع لاهوت العهد الجديد: فعلى الرغم من أن الله لا يرفض أحدًا، فإن داربي ابتدع فكرة "التدبيرين": تدبير يخص كنيسة العهد الجديد، وتدبير يخص كنيسة العهد القديم، وهذا لا دليل عليه في الإنجيل بل يتناقض مع لاهوت العهد الجديد. وشبهوا ذلك بقطارين: قطار العهد القديم البطيء يركن جانبًا ليفسح الطريق لقطار العهد الجديد "الإكسبريس"، ثم يعود قطار العهد القديم ليكمل مشواره. هذا يعني أن المسيح يسوع، بحسب تصورهم، سيأتي في الجسد كما صعد، ويذهب إلى أورشليم، ويلتقي باليهود فيؤمنون به.
  3. و يكون الرد الواقعى على أفكار داربي هى من واقع ما نعيشه من أحداث: المفاجأة هي أنه بدلاً من أن يأتيهم يسوع المسيح، أُرسل إليهم عمل الضلال. فقد أحضر اليهود خمس بقرات حمر من تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية، وتم ذبح أربع منها، وتصور رئيس الوزراء نتنياهو معها. هذا يعني عودة إلى البقر والمعيز والتيوس، ولا مكان لذبيحة المسيح، ولا لقول الكتاب "وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ" (أع 4: 12). إن اختراع أفكار وتدبيرات بلا مرجع في العهد الجديد هو أمر غير متسق بالنسبة لنا، فلم تقل كنائسنا ولا آباؤنا بهذا الكلام، ولا العهد الجديد.

 

 

 

 ج- رمز الزيتونة: الإيمان لا إسرائيل:

  1. يتطرق الرسول بولس في رسالته إلى رومية 11: 17-19 إلى تشبيه الزيتونة قائلاً: "فَإِنْ كَانَ قَدْ قُطِعَ بَعْضُ الأَغْصَانِ، وَأَنْتَ زَيْتُونَةٌ بَرِّيَّةٌ طُعِّمْتَ فِيهَا، فَصِرْتَ شَرِيكًا فِي أَصْلِ الزَّيْتُونَةِ وَدَسَمِهَا، فَلاَ تَفْتَخِرْ عَلَى الأَغْصَانِ. وَإِنِ افْتَخَرْتَ، فَأَنْتَ لَسْتَ تَحْمِلُ الأَصْلَ، بَلِ الأَصْلُ إِيَّاكَ يَحْمِلُ! فَسَتَقُولُ: «قُطِعَتِ الأَغْصَانُ لأُطَعَّمَ أَنَا! ".
  2. تفسير خاطئ للزيتونة: يأتي تلاميذ جون داربي ليقولوا: "أليس الرسول بولس يقول إن الزيتونة هي إسرائيل؟ هذه نفس فكرة الكرمة التي نُقلت من مصر، ونحن الذين جئنا من الأمم نُطعَّم في زيتونة إسرائيل، وإسرائيل هي الأصل والزيتونة".
  3. التفسير الصحيح للزيتونة: هذا الكلام بعيد عن حق الإنجيل. فالحقيقة هي أن الزيتونة ليست إسرائيل، بل الزيتونة هي الإيمان. وقد قُطعت الأغصان (إسرائيل) بسبب عدم الإيمان، بينما طُعِّمَ المتحدث (الذي جاء من الأمم) في زيتونة الإيمان بسبب الإيمان. يكمل نص رومية 11: 20 ليؤكد: "حَسَنًا! مِنْ أَجْلِ عَدَمِ الإِيمَانِ قُطِعَتْ، وَأَنْتَ بِالإِيمَانِ ثَبَتَّ. لاَ تَسْتَكْبِرْ بَلْ خَفْ!". وقد ذكر الكتاب أن إبراهيم صار أبًا لكل من هو من الإيمان، وليس فقط لأولاد إبراهيم بالجسد (رو 4: 11). وقد استعمل يوحنا المعمدان نفس الفكرة في متى 3: 9، قائلاً: "وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْراهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْراهِيمَ". ويضيف يوحنا المعمدان: "وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ" (لو 3: 9).

   د - المسيح: البرعم من الأرض اليابسة:

  1. يواجه البعض حقيقة أن المسيح يهودي، متسائلين كيف يكون المسيح كذلك إذا كانت الكرمة (إسرائيل) ذبلت وماتت. يجيب إشعياء 53: 1-2 بأن المسيح "نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْق مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ". فهو نبت من أرض يابسة، من كرمة ميتة. صحيح أنه بحسب الجسد خرج من هذه الكرمة، لكنه نبت كبرعم وكعرق من أرض يابسة. لذا، "وَإِنْ كُنَّا قَدْ عَرَفْنَا الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ، لَكِنِ الآنَ لاَ نَعْرِفُهُ بَعْدُ" (2 كو 5: 16). فلا ينبغي أن نقول المسيح يهودي، فـ "إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ" (يو 1: 11-12).
  2. هل رفض الله شعبه؟ لم يرفض الله أحدًا. من يؤمن بالرب يسوع المسيح سيُقبل. بل إن دولة إسرائيل ترفض منح تأشيرات للمسيحيين الأمريكيين الذين يذهبون للتبشير بيسوع لأن الكثيرين يؤمنون. فالله لم يرفض شعبه؛ من سيؤمن مرحب به، لكن الخلاص يأتي من خلال اسم واحد فقط: "لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ" (أع 4: 12).

 ه - المسيح: البرعم من الأرض اليابسة:

  1. المسيح هو الكرمة الحقيقية. لكن الكرمة الحقيقية ليست شخص المسيح وحده؛ بل هي "أنا الكرمة وَأَبِي الْكَرَّامُ" (يو 15: 1). ويقول أيضًا: "أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا" (يو 15: 5).
  2. فهم عميق لتعبير "رأس الكنيسة": الكرمة بأغصانها تشكل المسيح بجسده. المسيح هو رأس هذه الكرمة، والأغصان تنبت منه وفيه تُطعَّم وتتكاثر. لفترة طويلة، عندما نقرأ "المسيح رأس الكنيسة"، نذهب بتفكيرنا إلى تشبيه الرسول بولس عن المواهب والجسد البشري، حيث الرأس يقول للأعضاء لا حاجة لي بكم (1 كو 12: 21). لكن هذا التشبيه كان يصطدم بنصوص أخرى مثل "الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّبًا مَعًا... يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ لِبُنْيَانِهِ فِي الْمَحَبَّةِ" (أف 4: 16)، كولوسي 2: 19 "الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ بِمَفَاصِلَ وَرُبُطٍ... يَنْمُو نُمُوًّا مِنَ اللهِ". فكيف ينمو الجسد كله من الرأس كما ينمو جسد الإنسان؟
  3. لقد فهمنا هذا الأمر بشكل أوضح عندما قرأنا شرح القديس كيرلس عمود الدين. فقد شرح القديس كيرلس أن المسيح هو رأس الكرمة، أي جذع الكرمة. الجذع هو الذي منه تنمو جميع الأغصان، وهو الذي يمدها بالغذاء الذي يبقيها على الحياة ويمنحها الإثمار. هكذا فُهم معنى "المسيح رأس الكنيسة"، فالتشبيه ليس مأخوذًا من جسم الإنسان، بل من الكرمة، أي الشجرة، ورأس الشجرة هو جذع الشجرة. (و هذه هى الحقيقة الأولى)

و-قوانين الكرمة: التنقية والإثمار والثبات:

  1. الحقيقة الثانية مستوحاة من يوحنا 15: 2: "كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ، وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ".ينزعه" لا "يقطعه": هناك فرق جوهري بين "ينزعه" و"يقطعه". كلمة "ينزعه" أدق بكثير من "يقطعه". ولتوضيح ذلك، يُمكننا استحضار عملية التطعيم في الزراعة. على سبيل المثال، برتقال أبو سرّة ليس شجرة قائمة بذاتها، بل هو توليفة من اللارنج والبرتقال السكري. يقوم المزارع بإحضار غصن من شجرة اللارنج، ثم يحفر في شجرة البرتقال السكري ويدخل غصن اللارنج فيها، ويربطه بضمادة طينية أو بلاستر زراعي. بعد فترة كافية (أسبوعين أو 13 يومًا)، يمر البستاني، الذي هو الرب الآب بحسب "أنا الكرمة وأبي الكرّام" (يو 15: 1). أنت لم تُزرع هكذا بقوة ذاتية، بل "كُلُّ غَرْسٍ لَمْ يَغْرِسْهُ أَبِي السَّمَاوِيُّ يُقْلَعُ" (مت 15: 13). "كُلُّ مَا يُعْطِينِي الآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ، وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا" (يو 6: 37). الآب هو الذي جاء بك وأدخلك ودعاك، وهذه محبة الله الآب "هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ" (يو 3: 16). إذا وجد البستاني أغصانًا لم تُثبت ولم تخرج ورقًا أخضر، فإنه "ينزعها". السبب هو أن الغصن لم يثبت في الكرمة. لا "يقطعه" لأن الذي يُقطع هو الذي كان ثابتًا ثم انقطع، أما هذا فلم يثبت أصلاً. المسيح لا يكسر قصبة مرضوضة ولا يطفئ فتيلة مدخنة (مت 12: 20). الذي يُنزع هو الذي طُعِّمَ لكنه للأسف لم يثبت.
  2. نقد مذهب "لن يهلك إلى الأبد": هناك خلط بين الإيمان بالمسيح للخلاص وبين الإيمان بمواعيد الله. فبعض النظريات، مثل نظرية كالفن (الذي كان محاميًا وليس لاهوتيًا)، تقول إن المؤمن "لن يهلك إلى الأبد"، وهذا يتجاهل تعليم العهد الجديد عن الثبات و"النزع". إذا زرعك الآب وطعمك في شجرة الحياة (المسيح يسوع)، فإنك إن ثبتَّ ستخرج ورقًا أخضر وتبشر بالإثمار. أما إذا لم تثبت، فستظل الأوراق صفراء وذبلانة، فينزعك. ولماذا ينزعه؟ لأنه "يُبطل الأرض". يقول الرب: "اِقْطَعْهَا! لِمَاذَا تُبَطِّلُ الأَرْضَ أَيْضًا؟" (لو 13: 7). يوضح يوحنا 15: 6: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجًا كَالْغُصْنِ، فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ، فَيَحْتَرِقُ". ليس الرب هو من أمر بالحرق، بل الذي أمر بالحرق هو عدم الثبات، الذي يحول الغصن إلى حطب جاف يحتل مكانًا بلا فائدة، فيُجمع ويُلقى في النار.

جسد المسيح المُمجّد ومفاتيح الإثمار:

  • المسيح هو رأس الكرمة الذي يمد الشجرة والأغصان بالحياة، وبقية الشجرة هي جسده. جسد المسيح هذا اللحم تحول إلى جسد القيامة بعد صلبه وقيامته، ثم تحول إلى جسد المجد بعد اشتراكه في كل مجد الله، وصار "مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (أف 1: 23). نحن لا نعرف كيف سيكون شكل جسد مجده، لكننا نعلم أننا "سَنَكُونُ مِثْلَهُ لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ" (1 يو 3: 2). في هذا الجسد المُمَجَّد نُطعَّم بالروح القدس، وهو الذي يحل على الخبز والخمر بالروح القدس ليجعلهما جسد المسيح.
  • هنالك ثلاثة مفاتيح أساسية يقدمها المسيح للفروع التي طُعِّمَت في جسده لكي تبقى مُثمرة:

          

          أ-التنقية (التقضيب):

  • "كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ، وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ     لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ" (يو 15: 2). التنقية تعني التقضيب. يُقضب الكرم في الشتاء، في زمن كمون العصارة، قبل أن يأتي الربيع وتعود العصارة بالصعود. في هذا الوقت، يقطع المزارع الأغصان الذابلة التي لا تحمل رطوبة. هذه الأجزاء الذابلة هي عيوب تربيتنا، وعيوب ثقافتنا، وجهلنا بكلمة الله، وعيوب بيئتنا، وتأثير الإنترنت، والكثير من الأمور.
  • الرب يوظف التجارب والضيقات لـ "القطع". هذا ليس وقت الخدمة والإثمار، بل هو وقت الإعداد والتنقية. ينبغي أن تُسلم نفسك للتنقية قبل صعود العصارة، لكي يثمر كل ما فيك لمجد المسيح. كلمة الله هي التي تغسل وتنور بالحق وتنقل سر الإنجيل (يو 15: 3): "أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ". الكلمة الموحى بها من الله في الإنجيل ليست كل الكلام القديم، وليست تاريخ الشعب القديم بأكمله، بل هي المسيح للخلاص والشفاء والتحرير والتطهير من كل عيوب الخطية.

             ب-الثبات في المسيح وكلمته:

  • "إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ" (يو 15: 7). علامة الثبات في المسيح ونقاء الحياة هي استجابة الصلاة. فإذا كانت صلاتك غير مستجابة، فهذا يعني أن هناك عيوبًا في نقاوتك وثباتك في المسيح تحتاج إلى نزع. "بِهذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي: أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تَلاَمِيذِي" (يو 15: 8). "لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا" (يو 15: 5).
  •  إن الرب يريد منك أن تعمل معجزات وأعماله، بل أعمال أعظم منها (يو 14: 12). ولكن متى ستعمل هذه الأعمال؟ عندما تثبت فيه، تثبت في كلمته، تثبت في حقه. كثيرون يخدمون لكنهم لا يأتون بثمر لأن الكلمة لم تثبت فيهم.

             ج-الثبات في محبة المسيح:

  • "كَمَا أَحَبَّنِي الآبُ كَذلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا. اُثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي" (يو 15: 9). الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء إلى يديه (يو 3: 35). المسيح أحبنا هكذا ودفع كل شيء إلى أيدينا. فإذا لم ينطبق عليك هذا، فالسؤال هو: لماذا؟ لأنك لم تثبت في محبته. كيف نثبت في محبته؟ يقول يوحنا 15: 10: "إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَايَايَ تَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي، كَمَا أَنِّي أَنَا قَدْ حَفِظْتُ وَصَايَا أَبِي وَأَثْبُتُ فِي مَحَبَّتِهِ".
  • حفظ الوصايا يوصلك إلى الثبوت في محبته. الثبوت في محبته يعني التنازل عن كل شيء في هذا العالم من أجل معرفة المسيح يسوع الرب، وحساب كل شيء خسارة ونفاية لربح المسيح والوجود فيه (في 3: 8). هذا ليس بالضرورة يعني الرهبنة، بل هو اختيار طاعة الوصية عندما يأتي التحدي بينها وبين أمور العالم. فكرك يجب أن يكون ثابتًا في محبة المسيح، لا يتزعزع بسبب فكر العالم أو الخطية.

الفرح الكامل وسر الإنجيل

  • الغاية من كل هذا هو "لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ" (يو 15: 11). هذا الفرح هو فرح المسيح نفسه، وهو الفرح الذي داخل الثالوث، ويُعطى لك بالروح القدس. عندما يُعطى لك، تدخل في الفرح الكامل، و"لاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ" (يو 16: 22). إنه فرح الابن القدوس نفسه، وليس مجرد فرح مؤقت بسبب مكسب مادي. يكمل الرب: "لِيَكُونَ لَهُمْ فَرَحِي كَامِلاً فِيهِمْ" (يو 17: 13).
  • سر الإنجيل: المسيح هو رأس الجسد، رأس الكرمة، ونحن أغصان طُعِّمنا فيه. وهو يدفق التنقية والفرح، فرحه وحياته ومحبته في هذه الفروع، فينا بالروح القدس. نحن نتغذى على عصارة الحياة التي تفيض منه. أحد الأدوات الأساسية لأخذ عصارة الحياة هي من المذبح في القداس حيث "جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ" (يو 6: 55).
  • كيف نكون غصنًا ثابتًا في المسيح؟ لكي تكون غصنًا ثابتًا في محبة المسيح، ابدأ بطاعة الوصية، واستقبل التنقية بكلمة الله كل يوم. استقبل فرحه ليكون ثابتًا فيك، واثبت في محبته كل يوم. بداية الطريق هي طاعة الوصية، والاستكمال هو بتركيز عقولنا على الرب. هذه هي العلامة السهلة التي ستخبرك أن فرحه صار ثابتًا فيكم وأنك قد ثبتت في محبته. وحينما تثبت في محبته، "تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ" (يو 15: 7).
  • رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، والذي أعطاه الرب لغيرك سيعطيه لك. وما دام هذا حق الإنجيل، فهو حق لك في المسيح يسوع.

 

Powered By GSTV