رأيٌ في الأحداث (٥١) التبشير بالإنجيل:
Aug 21, 2025 13
980 79

رأيٌ في الأحداث (٥١) التبشير بالإنجيل:

واجهت المسيحية نقدًا هائلًا بلا سقفٍ ولا حدود، ومبلغ علمي ـ على قدْر ما أمكنني أن أتابع ـ فإن هذا النقد انصبَّ على العهد القديم، وعلى سلوكيات وتصرفات قادة الكنيسة المسيحية في الغرب، ثم وُجِّه النقد إلى بعض العبارات الفلكلورية التي استخدمها المسيح، مثل: "يا أولاد الأفاعي"، أو كحادثة لعنه شجرة التين غير المثمرة. وقد ناقشتُ بعض هذه الكتب في برنامج "الإنسان والإيمان"، مُبديًا تعجّبي من نقد الإنجيل بناءً على نقد العهد القديم الذي حلّ الإنجيل محلّه، أو بناءً على سلوكيات الكنيسة والأساقفة الذين لا يُمثّلون الإنجيل في شيء!

على أن هذا النقد لم يفتّ في عضُد المسيحية بشيء في وقته؛ ولكن ربط إنجيل العهد الجديد بالعهد القديم أثمرَ حركة رفض جماعية من جيل الشباب، بمنهج العنف الذي وظّفه العهد القديم، متناقضًا مع تسامح العهد الجديد: "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،" (مت 5: 44).

التبشير بالإنجيل لا يقوم على الإقناع والجدل العقلي، بقدر ما يقوم على الخبرة العملية الإيجابية، وهذا هو الإيمان الذي يدوم ويثبت على أرضية صلبة. وعلى المُبشِّر أن يكون قادرًا على الإجابة عن هذا السؤال: ماذا يُفيدني في حياتي العملية، إيماني بالمسيح؟ فجميع الديانات تعدُ مؤمنيها بالنيرفانا، والجنة السعيدة، وثواب الحياة الآخرة، كما تعدني أنتَ بالحياة الأبدية.

البعض يتّخذ من نقد إيمان الآخرين منطلقًا للتبشير بالإنجيل؛ ولكن هل يُحقّق نقد إيمان الآخرين تبشيرًا بالإنجيل بغير اختبارٍ شخصيٍّ مع المسيح والإنجيل؟! وكذلك تجنّد بعض دُعاة المسلمين لتشكيك المسيحيين في إيمانهم، مع انتشار الجهل بالتعليم اللاهوتي الأصيل؛ ولكن هل يُعتبر تشكيك أو إغراء حفنة من الضعفاء مكسبًا حقيقيًا للإسلام؟ أم أنهم يتواجهون مع رأي الإسلام نفسه: "قولوا أسلمنا ولا تقولوا آمنا".

برأيي كمُبشِّرٍ مُخضرم: إنّ التبشير بالتشكيك ليس منهجًا إنجيليًا حقيقيًا، ولا يُعبّر عن قوة رسالة المُبشِّر، بل ربما يكون مُعبّرًا عن حالة ضعفٍ وإفلاس، وعدم القدرة على تقديم إجابةٍ عمليةٍ مُقنعةٍ لواقع واحتياجات الإنسان.

ولا أرى في نهج الذين يُبشِّرون الآخرين بإيمانهم من خلال التشكيك، إلا تعبيرًا عن الإفلاس؛ ولو كانوا قادرين وواثقين، لأجابوا على السؤال: ماذا يُفيدني، وماذا يُعطيني الإيمان بما تُبشِّر به، في حياتي في هذه الدنيا؟

 

بنسلفانيا – أمريكا
١١ أغسطس ٢٠٢٥

 

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath

Powered By GSTV