رأيٌ في الأحداث (٤٦) | الحوار بين الأديان
Jul 31, 2025 10
980 79

رأيٌ في الأحداث (٤٦) | الحوار بين الأديان

الإنسانُ دائمًا عدوُّ ما يجهله، وهذه القاعدةُ تنطبق على حالةِ التجهيل المتعمد أحيانًا لما هي المسيحية في عيون الإنسان المسلم؛ وهذا بحد ذاته سببٌ كافٍ للاختلاف الذي يصبح عنيفًا في بعض الأحيان بين المسلمين والمسيحيين، ناهيك عن عمليات التشويه المتعمدة للمسيحية أو التجريح التاريخي للإسلام التي تُثمر صورًا قبيحة أو مشوَّهة عن الآخر.

لا بدَّ أن نضع النقاط على الحروف لفهم كلٍّ للآخر كي يتعايشا في سلامٍ وتعاون؛ فالإسلام ديانةٌ تقوم على الشريعة، شأنها شأن اليهودية التي يعتبرها جميع المسيحيين، أما المسيحية فهي في أصالتها خبرةٌ صوفية، ودعوةٌ لاتحاد الإنسان بالنور الإلهي، وفي بساطتها دعوةٌ لحياةِ المحبة والتسامح بين البشر.

إن مبدأ التعايش الذي خلَّده الإسلام: "لكم دينكم ولي دين"، و "لا إكراه في الدين"، كفيلٌ بأن يصدَّ كل أشكال العنف ومحاولة فرض الإيمان أو الشريعة على الآخر، ويقابله في الإنجيل: "مُستَعِدّينَ لِلرّدّ على كُلّ مَنْ يَطلُبُ مِنكُم دَليلاً على الرّجاءِ الذي فيكُم. وليكُنْ ذلِكَ بِوَداعَةٍ واَحترامٍ" (1بط 3: 15-16) ت ع م.

الالتباسُ الجوهريُّ حول المسيحية يكمن في فهم طبيعة المسيح: هل كان المسيح إنسانًا كاملًا يشبهنا في كل شيء ما عدا الخطية وحدها؟ وهل كانت إنسانيته مخلوقة من الأرض من جسد العذراء مريم؟
الإجابة: نعم، بكل تأكيد. لكن الإيمان المسيحي يؤكد أن الآب السماوي أرسل كلمته ونوره حالًا وظاهرًا في هذا الإناء البشري، وأن الصلب والموت والقيامة حدثت للطبيعة الإنسانية، لأن النور الإلهي لا يمسه الموت ولا الألم.

من أجمل ما تعلمتُ من الراحل العزيز الدكتور سليمان قلادة: أن الحوار بين الأديان هو أن يقدم كلٌّ للآخر أجمل وأفضل ما عنده في إيمانه، فيطفو على السطح كل ما هو جميل. وأستطيع أن أكرر دعوة الدكتور سليمان قلادة بصياغتي فأقول: من حقِّ كل واحد أن يبشِّر بإيمانه ويدافع عن معتقداته، ليس بمنطق تجريح الآخر، ولكن بفكرة أن يقدم كلٌّ للآخر أفضل ما عنده. هذا فضلًا عن أن تطور تكنولوجيا الاتصالات والسماوات المفتوحة أعطت هذه الفرصة للجميع بحرية.

المحبةُ والتعايشُ أفضلُ من الصراع، والحقدُ لا يفيدُ شيئًا.

 

بنسلفانيا – أمريكا

۳۰ يوليو ۲۰۲٥

 

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:

https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath

Powered By GSTV