عرف التاريخُ المسيحيُّ اسمَ القديس أثناسيوس من خلال صراعه ضد الأريوسية والأريوسيين، دفاعًا عن الإيمان الأرثوذكسي فيما يخص طبيعة السيد المسيح. لكن يبدو أنَّ الكثيرين لم يطّلعوا على كتب التاريخ والعقيدة ليعرفوا آريوس والأريوسية؛ فهل كان آريوس أبيونيًّا موحِّدًا على طريقة اليهودية؟ وهل قال إنَّ يسوع المسيح كان مجرد إنسانٍ نبي كما يدعي البعض؟ ولماذا قاومت الكنيسة آريوس ما دام كان موحِّدًا؟
الحقيقة أنَّ آريوس لم يكن يهوديًّا ولا أبيونيًّا، بل كان دارسًا للفلسفة اليونانية. ولم يقل آريوس إن المسيح كان إنسانًا نبيًّا، بل قال إن المسيح كان رئيسَ ملائكةٍ من أعلى رتب الملائكة، وهذا الرئيس هو الذي تجسّد من العذراء مريم، وأنه ابن الله؛ لكنه أنكر أن يكون الابن (المسيح) من جوهر الله (الآب)، أي أنه ليس هو نور الآب، بل هو رئيس ملائكة خلقه الآب ليخلق به المادة، اشتقاقًا من نظرية سلّم الوجود عند أفلوطين.
وهنا نصل إلى السؤال الجوهري: لماذا رفضت الكنيسة تعليم آريوس، وصدَّقت على تعليم أثناسيوس؟ لأن أثناسيوس أكّد أن الذي أُلقِي إلى العذراء مريم وتجسّد منها كان هو نور الآب وكلمته (ولهذا دُعي ابن الله)، ولما كان المسيح يعمل أعظم أعمال الله في معجزاته، فقد صارت هذه الأعمال منسوبة إلى الله الواحد الكلي، ونوره الذي ظهر في الجسد.
أما آريوس، فجعَل المسيح رئيسَ ملائكةٍ مستقلًّا عن الله؛ فإذا كان رئيس الملائكة يعمل أعمال الله، فقد رأت الكنيسة أن ما يقوله آريوس هو عين الشرك بالله، بينما ما يقوله أثناسيوس هو جوهر التوحيد الذي ينسب كل الأعمال والإظهارات الإلهية الخارقة إلى الله الواحد الكلي ونوره.
ولا عزاء للجهلة ومُدّعي المعرفة من غير استشهاداتٍ مرجعيةٍ موثَّقة.
بنسلفانيا – أمريكا
٢٧ يوليو ٢٠٢٥
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath