لا يستطيعُ أن يُنكر كلُّ ذي عينٍ وبصيرةٍ أنَّ عصرَ الإنترنتِ والسماواتِ المفتوحة، وثورةَ المعلومات، قد أفضى إلى حراكٍ عقليٍّ وفكريٍّ هائل؛ خصوصًا بين الشباب. وقد أدى هذا الحراكُ الفكريُّ، الذي اجتاح العالم من غربه إلى شرقه، وسرعةُ انتقال المعلومة عبر الأثير، إلى مواجهةٍ لا تعرفُ الهوادةَ أو المجاملة مع الأديان جميعها.
لقد نالت المسيحيةُ في الغرب نصيبًا كبيرًا من هذه المواجهة، نتيجةً لسيطرة العهدِ القديم (التناخ اليهودي) على منابر كنائسهم، في تصادُمٍ مع تعاليم العهدِ الجديد؛ ممَّا أدى إلى مغادرةِ ملايين الشباب لكنائسهم. والأمر نفسه يحدث مع سائر الأديان الأخرى التي تتوارث موروثاتٍ فكريةً وعقائديةً من عصورٍ قديمة. وقد كان لنا موقفٌ مبكرٌ في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية؛ إذ قاد لاهوتيو حركة التجديد اللاهوتي في الكنيسة الروسية مهمة المواجهة مع الحراك الفكري والعقلي لإنسان القرن العشرين، وأنتجوا ما يُعرف بـ"حركة التجديد اللاهوتي – Neo Patristic Theology".
أما الأمر فقد سار على نحوٍ مغايرٍ مع آخرين: لا أعرف من هم هؤلاء الآخرون؛ إذ يصدرون منشوراتٍ وفيديوهاتٍ مجهولة المصدر، أو يتحدث فيها أشخاصٌ مجهولون، بعضها بلغةٍ إنجليزية غير متقنة، ويقدمون فيها أفكارًا مغلوطة أو كاذبة كليًّا حول موضوعاتٍ تاريخيةٍ ولاهوتيةٍ جوهريةٍ في المسيحية، مثل مجمع نيقية وقانون الإيمان المسيحي؛ ظانين أنَّهم بهذا التدليس يُدافعون عن موروثاتٍ دينيةٍ أو عقائدية!
أرى أن المواجهة الشجاعة فكرٌ بفكر، وتقديمُ المراجعِ التاريخيةِ واللاهوتيةِ للاقتباسات، هو الطريق الأصوب لإدارة حوارٍ فكريٍّ مُقنعٍ لإنسان العصر. أما أسلوبُ الخداعِ والتدليس فلن يُثمر إلا إضعافًا إضافيًّا لموقف الأديان. وأعتقد أن المواجهةَ الفكريةَ، على النحو الذي جرى في الكنيسة الروسية وتجديد العقل الديني، هو الطريق الأمثل للإقناع والرد على النقد الموجَّه للأديان.
السكوتُ على الأكاذيبِ والمغالطاتِ التاريخيةِ واللاهوتيةِ أمرٌ غير ممكنٍ وغير مقبول.
بنسلفانيا – أمريكا
٢٨ يوليو ٢٠٢٥
لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath