كورس في البدء كان الكلمة | المحاضرة السابعة | اليوم دينونة هذا العالم
Jun 17, 2025 4
980 79

كورس في البدء كان الكلمة | المحاضرة السابعة | اليوم دينونة هذا العالم

الدينونة في الفكر اليهودي:
الدينونة في الفكر اليهودي مأخوذة من الموروث الفرعوني، ولا ننسى أن موسى النبي تهذب بكل حكمة المصريين ونشأ كأمير في قصر فرعون. ففكرة الدينونة عند قدماء المصريين تقوم على الحساب والعقاب، إذ يحدث البعث (المعادل لمفهوم القيامة)، ثم تأتي المحاسبة التقليدية: قدم حسابك—ماذا فعلت؟ ماذا لم تفعل؟ ثم يعقب ذلك الثواب والعقاب، بحيث يُكافأ من كانت أعماله صالحة ويعاقب من كانت أعماله سيئة.
هذا المفهوم انتقل من الفكر الفرعوني إلى الموروث اليهودي، ومنه إلى بعض التصورات المسيحية التي لا تزال ترى الدينونة بنفس الفهم التقليدي مثل: هل الله يعاقب الأشرار؟ 
فيُجاب بـ نعم، الله يعاقب الأشرار. لكن في العهد الجديد، لا نجد عبارة صريحة تقول: "الله سيعاقب الأشرار." بل دائمًا تأتي هذه الأفعال مبنية للمجهول، مثل: "الَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاَكٍ أَبَدِيٍّ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ قُوَّتِهِ" (2 تس 1: 9).
لم يقل الكتاب "الله سيعاقبهم بهلاك أبدي"، بل قال "الذين سيُعاقَبون بهلاك أبدي." وهنا نصل إلى الفكرة اللاهوتية للعهد الجديد، التي تختلف عن المفهوم التقليدي للحساب والعقاب في الفكر الفرعوني: كيف سيُعاقَبون بهلاك أبدي؟ ما الوسيلة؟ الإجابة هي: من وجه الرب ومن مجد قوته.
الأب السماوي لا يقدم انتقامًا، بل يقدم استعلان مجده واستعلان ابنه. لكن حين يظهر النور الحقيقي، تكون هناك دينونة لمن أحبوا الظلمة أكثر من النور.
إذا دخل شخصٌ إلى غرفة مظلمة حيث تُرتكب أعمال شريرة، ثم أضاء النور، فإن النور في ذاته يكشف هذه الأعمال. ليس فقط يكشفها، بل يدين الشر المختبئ في الظلمة. هنا الدينونة ليست انتقامًا، بل نتيجة استعلان النور.

الدينونة في العهد الجديد:
لذلك، الدينونة في العهد الجديد ليست فعلاً عقابيًا أو تأديبيًا، بل هي نتيجة طبيعية لظهور الحق. كما يقول الكتاب: "وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً" (يو 3: 19).
النور لم يظهر تلقائيًا، بل الآب أرسل ابنه إلى العالم، أرسل نوره الحقيقي. هذا فعل إيجابي يعبر عن مشيئة الله وسلطانه ومحبته، وليس عقوبة أو انتقامًا. الإضافة الهامة هنا هي أن النور هبة إلهية عظيمة، وليس مجرد عنصر محايد. فالنور الذي أرسله الله للعالم هو ابنه، حياته الحقيقية. رفض هذا النور وعدم قبوله هو الذي يجعل الإنسان في حالة الدينونة.
كما يقول المسيح: "لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ جِئْتُ وَكَلَّمْتُهُمْ، لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ، وَأَمَّا الآنَ فَلَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي خَطِيَّتِهِمْ" (يو 15: 22).

الله ضابط الكل بالشكل الإيجابي وليس السلبي:
إذًا، البعض يتصور أننا حين نتحدث عن لاهوت العهد الجديد، نقول إن الله لا يعاقب، الله طيب، ولن يؤدب أحدًا. لكن هذا تفسير خاطئ ومُسطّح. الله ليس سلبيًا، بل هو السيد والآب، وهو الذي منه يخرج الحق والعدل. ولكنه لا يعاقب بالطريقة الفرعونية أو اليهودية، بل يُظهر نوره ومجده، والإنسان هو الذي يختار البقاء في الظلمة أو الدخول في النور.
الدينونة ليست فعلًا انتقاميًا، بل نتيجة طبيعية لرفض النور الإلهي. فالذي يرفض النور يُطرح إلى الظلمة الخارجية، أي إلى خارج حياة الله، كما يقول الإنجيل: "وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ" (مت 8: 11-12).
"يُطرح" هنا أيضًا جاءت مبنية للمجهول—ليس الله هو من يطرحهم إلى الظلمة، بل رفضهم للنور هو الذي يجعلهم فيها. الإرادة العنيدة الرافضة للنور تبقي الإنسان في الدينونة، بعيدًا عن حياة الله.

المواجهة الحقيقية هي مع الملاك الساقط:
كيف سقط؟ 
لدينا إشارات عديدة في الموروث المسيحي، مثل ما ورد في سفر إشعياء (إشعياء 14) ونبوة حزقيال (حزقيال 28)، إضافة إلى ما قاله الرب نفسه في العهد الجديد:
"فَقَالَ لَهُمْ: رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ." (لو 10: 18).
إلى جانب ذلك، هناك مقارنات قمت بها مع الموروثات الشيطانية الموجودة في أمريكا، والتي تفيدنا كثيرًا لأنها تكشف كيف يفكر الشيطانيون وكيف يعبرون عن معتقداتهم. على سبيل المثال، نجد في معتقدات المورمون—التي رفضتها الكنيسة المسيحية ومنعتهم من وضع الصليب على مبانيهم—تصورات خاطئة تمامًا، حيث يقدمون الله على أنه "سوبرمان في السماء"، ويقولون إن له ابنين هما يسوع المسيح والشيطان.
هذا الموروث الشيطاني يصور إبليس كأخ ليسوع المسيح، كما نجد أيضًا في بعض الحوارات التي أجريت مع المنتمين للمعابد الماسونية، حيث قال أحدهم عند سؤاله: "هل تؤمن أن يسوع المسيح ابن الله؟" فأجاب: "نعم، ولكن لوسيفر أيضًا هو ابن الله."
هذه الأفكار تكشف لنا أن إبليس يُقدَّم في هذه الموروثات على أنه ابن الله، مثل يسوع المسيح. وهنا يأتي دور الكتاب المقدس، حيث نجد وصفًا لإبليس في سفر إشعياء: "كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟" (إش 14: 12).
تم تشبيه نوره بنور الفجر، لكن عندما يتحدث العهد الجديد عن المسيح، يصفه بالشمس: "إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ." (2 بط 1: 19).
بالتالي، هناك مقارنة بين نور إبليس (الفجر) ونور المسيح (الشمس). في الكتاب أيضًا، نجد أن إبليس كان "الكاروب المظلل"، أي أنه كان تحت نور الكلمة الحقيقي، لكن بدلاً من إدراك أنه مجرد انعكاس للنور الإلهي، تصور أن نوره هو نفس نور الكلمة، ومن هنا دخل إليه الكبرياء، مما جعله يرفع نفسه قائلًا: "أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ." (إش 14: 13).
هذا الكبرياء أسقطه من الوجود في النور، ليس لأن أحدًا أسقطه، بل لأنه لم يثبت في الحق، كما قال المسيح: "رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ." (لو 10: 18).
إبليس، بعد سقوطه، صنع حربًا وانتقامًا ضد الآب السماوي وملكوته في الخليقة، وبالتحديد ضد الإنسان الأول، الذي كان رأس الخليقة والأب السماوي أعطاه ان يكون على صورة ابنه يسوع المسيح. 

إبليس الميت الأول:
إبليس فقد وحدته مع الله وابنه، فأسقط الإنسان بنفس الخطية: العناد والخروج عن طاعة الله، مما أدى إلى موته الروحي. القديس أثناسيوس وصف إبليس بـ "الميت الأول" في كتابه تجسد الكلمة.
لهذا، عندما يتحدث إبليس، يتكلم مما له: "مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ." (يو 8: 44).
وهكذا، اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع، كما يقول بولس الرسول: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ، كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ." (رو 5: 12).
لكن هنا يجب أن نلاحظ أمرًا هامًا: الإنسان قبل الموت بإرادته، لم يجبره أحد على ذلك، فقد اختار كلمة (إرادة) إبليس بدلًا من كلمة الله.
"أَنَا قَدْ جِئْتُ نُورًا إِلَى الْعَالَمِ، حَتَّى كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِي لاَ يَمْكُثُ فِي الظُّلْمَةِ." (يو 12: 46).

إذن، سبب الدينونة هو رفض الإنسان للنور الإلهي، رغم أن الله أعلن الحق بوضوح. النور جاء ليخرج الإنسان من الظلمة، لكنه رفضه وأحب الظلمة أكثر من النور، كما يقول المسيح: "وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ." (يو 3: 19).
لهذا، الدينونة ليست فعلاً انتقاميًا، بل هي نتيجة طبيعية لحقيقة أن الإنسان أبغض النور وأحب الظلمة.

المشكلة الأساسية لخلاص الإنسان:
المشكلة الأساسية لخلاص الإنسان تكمن في أن الملاك الساقط ليس مجرد كائن ضعيف، بل هو كيان عظيم سقط، واستطاع بأدواته أن يستعبد الإنسان بالخطيئة ويقيده بالموت. فما الحل؟
لأجل الخطيئة، أرسل الله ابنه في شبه جسد الخطيئة ليكون في نفس ظروف الإنسان الطبيعي وإمكاناته، لكنه في ذات الوقت دان الخطيئة في الجسد:
"لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفًا بِالْجَسَدِ، فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ." (رو 8: 3).
فرغم أنه ظهر في الهيئة كإنسان، ورغم أنه كان في شبه جسد الخطيئة، إلا أنه لم يقع فيها، بل دانها تمامًا، كما قال: "مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟" (يو 8: 46).
هنا نجد الفرق الجوهري بين الإنسان الأول والإنسان الثاني—فالإنسان الأول وقع في الخطيئة، بينما الإنسان الثاني دان الخطيئة.

كيف دان المسيح الخطيئة؟ 
عندما جاء إبليس ليعرض عليه مشيئته، محاولًا إغوائه، كان رد المسيح ثابتًا: "مكتوب"
"مَكتوبٌ: لا تُجَرِّبِ الرَّبَّ إلهَكَ." (مت 4: 7). 
"اذهَبْ يا شَيطانُ! لأنَّهُ مَكتوبٌ: للرَّبِّ إلهِكَ تسجُدُ وإيّاهُ وحدَهُ تعبُدُ." (مت 4: 10).

المكتوب هنا هو كلمة الآب السماوي، وهكذا دان طاعة مشيئة إبليس—أي الخطيئة—بالثبات في كلمة الله.

الصليب كان هو المواجهة مع الموت وابليس:
المواجهة مع رئيس هذا العالم المواجهة بين المسيح وإبليس بلغت ذروتها عندما قيد إبليس الجميع بالموت بواسطة الخطيئة، ثم جاء ليقيد المسيح ذاته بالموت:
"لاَ أَتَكَلَّمُ أَيْضًا مَعَكُمْ كَثِيرًا، لأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ." (يو 14: 30).
إبليس جاء ليفرض سلطانه بالموت على المسيح، كما قال الشعب: "دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا!" (مت 27: 25).
لكن المسيح لم يمت قسرًا، بل قَبِلَ الموت بإرادته. وهنا تظهر الحكمة الإلهية في الصليب، كما شرح مار يعقوب السروجي في مفهوم إخفاء لاهوت المسيح عن إبليس.
النص الكتابي الذي يثبت تلك الفكرة: "لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ." (1 كو 2: 8).
إبليس كان متشككًا في هوية المسيح، لكنه تعامل معه كباقي البشر، محاولًا إيقاعه تحت سلطان الموت، دون أن يدرك أنه أمام من لا خطيئة فيه!
موقعة الصليب والقيامة عندما أوقع الموت على من لا خطيئة فيه، كانت النتيجة:
"اَلآنَ دَيْنُونَةُ هذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ خَارِجًا." (يو 12: 31). "وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ." (يو 16: 11).
إذًا، الذي دِين ليس المسيح، بل إبليس والموت! وهكذا كانت القيامة نتيجة حتمية لهذه المواجهة:
"وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا." (رو 1: 4).

القيامة دينونة للموت:
فما هي الدينونة التي أصابت رئيس هذا العالم؟ إنها القيامة، أي ظهور حياة الله الغالبة للموت.
كما أن الشمس حين تشرق ترسل الحياة للنباتات والكائنات، لكنها تحرق من لا يستطيع احتمال نورها، هكذا إعلان الآب السماوي لحياته بقيامة ابنه كان دينونة للموت وإبليس.
المسيح أطاع حتى الموت ليكمل محبة الآب للإنسان: "وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ." (في 2: 8).

هكذا صار الموت مهزومًا، والقيامة انتصارًا، والخلاص حقيقة مُعلنة!
ليس ظهور النور أمرًا عفويًا، بل هو فعل مقصود من الآب، فقد أرسل نوره إلى العالم، ولم يكن مجيء الابن تلقائيًا، بل جاء بإرادة الآب وإرساله الخاص.
إذًا، وفقًا لمشيئة الآب، أرسل ابنه لمواجهة الموت.
"وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ، مَوْتَ الصَّلِيبِ." (في 2: 8).
وهكذا، حين أطاع حتى الموت، موت الصليب، أتمم مشيئة الآب، الذي لم يرُد فقط بالقيامة، بل أيضًا بإعلان السلطان والتمجيد. وهذا ما نجده بوضوح في رسالة أفسس 1: 20-23:
•    أقامه من الأموات.
•    أجلسه عن يمينه في السماويات.
•    جعله فوق كل رياسة، وسلطان، وقوة وسيادة.
"الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا، وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ." (أف 1: 20-23).

20الَّذي عَمِلَه في المسيح، إِذ أَقامَه مِن بَينِ الأَمْوات وأَجلَسَه إِلى يَمينِه في السَّمَوات 21فَوقَ كُلِّ صاحِبِ رِئاسةٍ وسُلْطان وقُوَّةٍ وسِيادة وفَوقَ كُلِّ ٱسمٍ يُسَمَّى بِه مَخْلوق، لا في هٰذا الدَّهْر وَحدَه، بل في الدَّهْرِ الآتي أَيضًا، 22وجَعَلَ كُلَّ شَيءٍ تَحتَ قَدَمَيْه ووَهَبَه لَنا فَوقَ كُلِّ شَيءٍ رَأسًا لِلكنيسة، 23وهي جَسدُه ومِلْءُ ذاك الَّذي يَملأُه اللهُ تَمامًا. 
أفسس 1: 23 ت.ك.ع: الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة)

وهكذا، يسوع المسيح صار فوق كل رياسة وسلطان، وهو رأس الكنيسة، جسده الممتلئ بالله تمامًا.
"مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ." (رؤ 3: 21).

كيف يمكن للإنسان أن يكون شريكًا في هذا المجد؟
"وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ." (أف 1: 22-23).
وهكذا، الكنيسة ليست مجرد جماعة، بل هي جسد المسيح ذاته، ملء الله، الذي يملأ الكل في الكل.
ولذلك، الإنسان لا يكون في هذا المجد بذاته، بل في المسيح، لأنه رأس الكنيسة، ونحن فيه، 
- أي في جسده (جسد المسيح السري): "الَّذِي فِيهِ أَيْضًا نِلْنَا نَصِيبًا، مُعَيَّنِينَ سَابِقًا حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ." (أف 1: 11).
فالدينونة عبارة عن:
- رئيس هذا العالم آتٍ وليس له في شيء. "لاَ أَتَكَلَّمُ أَيْضًا مَعَكُمْ كَثِيرًا، لأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ." (يو 14: 30).
- الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجًا. "اَلآنَ دَيْنُونَةُ هذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ خَارِجًا." (يو 12: 31).
- قوة القيامة. "وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا." (رو 1: 4).
- إعلان السلطان فوق كل اسم. "لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ." (في 2: 9).
وهكذا، الإنسان لا يكون في هذا المجد بذاته، بل في جسد المسيح، الكنيسة، التي ملؤها هو الله نفسه.

هذا هو العهد الجديد.

سلطان المسيح الممنوح للكنيسة:
العهد الجديد هو أن الابن اتخذ جسدًا ليواجه به الشيطان، وأن الغلبة التي حققها على إبليس صارت لجسده، الذي صار ملء الذي يملأ الكل في الكل—أي الكنيسة، التي نلنا فيها نصيبًا.
وهكذا، العهد الجديد يعني دينونة إبليس، أي أن سلطان القيامة، الذي سلك به يسوع المسيح، قد دُفع إلينا، إلى الكنيسة.
فالكنيسة التي لا تمتلك سلطانًا على الشياطين ليست كنيسة غالبة، والكنيسة التي لا تختبر القيامة ليست كنيسة غالبة، وليست كنيسة المسيح الحي.
عندما أرسل المسيح الكنيسة، قال: "دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ." (مت 28: 18-19).

الإرسالية تأسست على السلطان الممنوح للمسيح.
ولهذا قال أيضًا: "وَهذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ." (مر 16: 17). 
"هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوِّ، وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ." (لو 10: 19).

فكيف نطبق هذا السلطان؟
عندما ظهر الرب يسوع للرسول بولس في أعمال 26 وأرسله في الإرسالية، قال له:
"لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيبًا مَعَ الْمُقَدَّسِينَ." (أع 26: 18).
وهكذا، دينونة إبليس تجلّت عندما قال المسيح: "اَلآنَ دَيْنُونَةُ هذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ خَارِجًا." (يو 12: 31).
وقد أسفرت هذه الدينونة عن:
•    إبطال الخطيئة بذبيحة نفسه (عب 9: 26).
"فَإِذْ ذَاكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ مِرَارًا كَثِيرَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ." (عب 9: 26).
•    إبطال الموت وإنارة الحياة والخلود بالإنجيل (2 تي 1: 10).
"وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ." (2 تي 1: 10).
•    طرح إبليس خارجًا، وسلطان الكنيسة في المسيح يسوع لاستعادة قوة الحياة: "مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ." (يو 8: 12).
وهكذا، الكنيسة دخلت في قوة القيامة، والغلبة على الموت، وسلطان المسيح على قوات الظلمة وكل اسم يُسمى، ليس فقط في هذا الدهر، بل أيضًا في المستقبل:
"فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا." (أف 1: 21).
ولهذا قال بولس الرسول: "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا سَنَدِينُ مَلاَئِكَةً؟" (1 كو 6: 3).

التطبيق العملي:
إذا أردنا أن تستعيد الكنيسة حضورها في العالم، وإذا أردنا أن تخرج الكنيسة إلى العالم للبشارة، فيجب أن تتحقق الكنيسة أولًا!
أي أن تتحقق الجماعة المسيحية المقدسة التي تدين إبليس بسلطان القيامة، وبالسلطان الذي دُفع إلى الرب يسوع المسيح كرأس الجسد، وسار إلى المؤمنين كأعضاء في هذا الجسد.

هناك ثلاث ركائز في تحقيق ملكوت المسيح:
•    دينونة الخطيئة بحياة القداسة وطاعة الإنجيل.
•    دينونة الموت بقوة القيامة.
•    دينونة إبليس بالسلطان الذي دُفع إلى الجسد—الكنيسة بالمسيح يسوع.

له كل المجد في الكنيسة إلى أجيال الدهر، آمين.

 

عنوان المحاضرة القادمة "أعمال الآب و أعمال إبليس"
 

Powered By GSTV