لاهوت العهد الجديد (٢) | لا لأَنْقُضَ؛ بَلْ لأُكَمِّلَ.
Jun 15, 2025 13
980 79

لاهوت العهد الجديد (٢) | لا لأَنْقُضَ؛ بَلْ لأُكَمِّلَ.

عبارةُ المسيحِ الخالدة في الموعظةِ على الجبل: "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ." (مت 5: 17)، هي عبارةٌ كاشفةٌ ترسمُ أساسَ علاقةِ المسيحيِّ بالعهدِ القديم (الناموسِ والأنبياءِ)، وفي الوقتِ نفسهٍ تشي بالكمالِ الذي وهبهُ المسيحُ—ابنُ اللهِ المتجسِّدُ—للبشريةِ.
فالمسيحُ لا يلغي القديمَ—لا يلغي شريعةً نافعةً أتاحتْ لبشرية تحت الظلمة وظلال الموت نظاماً للعلاقاتِ العادلةِ والوعي الصحي والغذائي—ولا يهدمُ نبوءاتِ تكلم بها أناس اللهِ القديسينَ مسوقين من الروح القدس، التي تحققتْ في مجيئه.
الانتقامُ اليهوديُّ من حركةِ التبشيرِ المسيحية، والإيمانِ بيسوعَ المسيح، الذي انتشر بين اليهود حتى كاد أن يبتلع اليهوديةَ نفسَها، كان انتقامًا فكريًّا بعد فشلِ الاضطهادِ العنفيِّ للمسيحيين؛ فقد صار اختراقًا فكريًّا تهويديًّا للبديل الجديد الذي حلَّ محلَّ القديم واستوعبَه، أي المسيح وإنجيله: الذي تصدّى له الرسول بولس بقوةٍ في رسالتيه إلى روميةَ وغلاطيةَ: إذ الناموسُ (الشريعة) كان فقط مؤدبنا إلى المسيح (غل ٣: ٢٤)، ولو كان بالناموس برٌّ، لكان موتُ المسيح بلا سبب (غل ٢: ٢١)، وأن الذين سعوا في إثرِ الناموسِ لم يدركوا البرَّ بالناموسِ (رو ٩: ٣١).
فالمسيحُ له المجدُ جاء ليؤسِّس عهدًا جديدًا بدمِه (١ كو ١١: ٢٥)، على أساس كهنوتٍ جديدٍ هو كهنوته (عب ٧: ١٢)، وناموسٍ (شريعةٍ) جديدٍ هو "ناموس روح الحياة" ليحلَّ محلَّ "ناموس الخطية والموت" (رو ٨: ٢)، أي عطية القيامة والحياة الجديدة للإنسان بدلًا من ناموسٍ يحكم عليه ويدينه بالموت لضعفه؛ وهذا هو العهد الجديد.
الاختراقُ التهويديُّ للمسيحية، الذي دعا في عصر الرسول بولس إلى حفظِ الختانِ وشريعةِ موسى إلى جوار الإيمانِ بالمسيح، ردّ عليه الرسول بولس قائلًا "إِنِ اخْتَتَنْتُمْ لاَ يَنْفَعُكُمُ الْمَسِيحُ شَيْئًا!" (غل 5: 2). هذا الاختراق بعينه هو الذي عاود الكنيسة المسيحية في القرن التاسع عشر، حين وُضِعَ العهدُ القديمُ كتأسيسٍ يُكمِل عليه المسيحُ بناءَ عهده الجديد! وحاشا! "لأنّهُ إذا تبَدّلَ الكَهَنوتُ، فَلا بُدّ مِنْ أنْ تَتَبدّلَ الشّريعَةُ." (عب 7: 12ت.ع.م).
فالمسيحُ أعطى نفسَه، وأعطى عهدَه الجديد فقط للذين قبلوه، أي كنيسته الذين صاروا به خليقةً جديدة، مولودين ثانيةً من فوق (يو ٣: ٣)، لا من زرعٍ يفنى، بل مما لا يفنى (١ بط ١: ٢٣)؛ دون أن ينقُض أو يَهدِم العهد القديمَ الذي كان ولا يزال نافعًا للبشرية التي لم تقتبل بعدُ العهدَ الجديدَ والحياةَ الجديدة بالمسيح يسوع. وهذا هو معنى عبارة المسيح: "مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ." (مت 5: 17). لماذا؟ لأن "النَّامُوسُ لَمْ يُكَمِّلْ شَيْئًا. وَلكِنْ يَصِيرُ إِدْخَالُ رَجَاءٍ أَفْضَلَ بِهِ نَقْتَرِبُ إِلَى اللهِ." (عب 7: 19).
فالمسيحُ يسوع له المجدُ ليس هَدَّامًا ولم ينقضْ (يهدمْ) ناموسَ موسى والأنبياء، لكنه لا يؤسِّس كنيستَه وعهدَه الجديد على ناموسٍ لم يُكمِّل شيئًا، كما يحاول التهويديون أن يفسِّروا عبارة: "مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ." لصالح امتداد القديم والبناء عليه. فالمسيحُ يُعطي للبشرية الكمالَ والحبَّ والحياةَ الجديدة، والاتحادَ بالحياة الإلهية من خلاله. وهذا هو الكمالُ والعهدُ الجديدُ الذي قدَّمه إنجيلُ المسيح للإنسان.

بنسلفانيا – أمريكا
٩ يونيو ۲۰۲٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "لاهوت العهد الجديد" اضغط على الرابط التالي:
https://anbamaximus.org/articles/NewTestamentTheology
 

Powered By GSTV