كورس في البدء كان الكلمة | المحاضرة الرابعة | الحياة قد أظهرت - الكلمة صار جسدا
May 07, 2025 2
980 79

كورس في البدء كان الكلمة | المحاضرة الرابعة | الحياة قد أظهرت - الكلمة صار جسدا

ملاحظة:
-    الأسبوع الماضي أحد الإخوة الأحباء اقترح أن نضيف إلى عبارة "صورة جوهرية" كلمة "مُشَخَّصَةٌ"، وأنا موافق على الإضافة لأنها متفقة مع الفهم اللاهوتي حتى وإن كانت الكلمة إضافة إيضاحية يعني. من هنا نستطيع أن نقول إن الأقنوم هو "صورة جوهرية مُشَخَّصَةٌ".

-    الأسبوع الماضي تحدثنا عن أن الله لا يوجد عنده أفعال "أمس واليوم وغدًا"، ماضي وحاضر ومستقبل، ولا يوجد عنده كلمة "سأفعل". ولكن ما دام الله يقصد - فقصده حادث، وحادث أمامه 

-    مثال: في التعبير البشري كما كتب موسى النبي: قال الله "كن فكان"، وهكذا شرحه سفر التكوين: "وقال الله ليكن فكان". 
"وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ»، فَكَانَ نُورٌ." (تك 1: 3).
 سفر التكوين فيه أفعال ماضي وحاضر ومستقبل، فيه "قال كن"، ثم "كان".. الخ.

 لكن حقيقة الامر بالنسبة لله ما يقصده يصير حاضرًا وكائنًا بطريقة أبدية ودائمة، لأنه هو أبدي ودائم.
ومن هنا فسؤال محاضرتنا السابقة وما سنبدا به اليوم: هل كان التجسد حاضرًا في قصد الله؟ أم أن، بحسب النظريات الغربية التي انحدرت إلينا ونقلتها الإرساليات، أن الله فوجئ بأن الإنسان أخطأ؛ ومن ثم بدأ يبحث عن حل لمشكلة سقوط الإنسان؟
 فهم الإنسان لإله الشريعة كما قدمه العهد القديم، هو "ما دام فيه خطية يبقى فيه عقوبة"، وتم الاعتماد على النص في الرسالة للعبرانيين "بدون سفك دم لم تكن تحصل مغفرة"، الذي تم اجتزاءه من باقي النص الذي هو "وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!" (عب 9: 22).
ومن كمالة النص نكتشف انه يتحدث عن واقع العهد القديم وليس عن المسيح والعهد الجديد.
ولكن موضوعنا اليوم، هو: هل كان التجسد أساسًا في قصد الله؟ الإجابة: نعم.
لماذا كان أساسًا في قصد الله؟ ولماذا الإجابة نعم؟
لأن الابن المتجسد كان هو الصورة التي خلق عليها الإنسان. ومن هنا فإن يسوع المسيح هو "بداءة خليقة الله"، هو "بكر كل خليقة"، الابن اتخذ جسدًا أولًا في قصد الله، فالله ليس عنده ماضي وحاضر ومستقبل.
"وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ»." (تك 1: 26).
فالإنسان ليس "صورة الله"، ولكن صورة الله هو الابن يسوع المسيح.
إن صورة التجسد كانت هي البداءة التي على أساسها خُلق الإنسان، وليس هذا فقط، بل اشتركنا نحن في الكلمة بالتجسد. كل هذا كان حاضرًا في قصد الله.
"الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ،" (2 تي 1: 9).
لاحظ: "أُعطيت لنا قبل الأزمنة الأزلية"، أي أنني نلت نصيبًا معينًا سابقًا، أنا وأنت، قبل أن أولد، طبعًا، بموجب القصد وبموجب الدعوة.
"وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ." (2 تي 1: 10).
ومن هنا تأتي الإجابة على السؤال المهم في الإنجيل:
لماذا حينما يتكلم يوحنا الإنجيلي عن التجسد يقول: "الحياة أُظهرت"؟
ولماذا نصلي في القداس ونقول: "ظهرت لنا نحن الجلوس في الظلمة وظلال الموت"؟
لأنه كان موجودًا، فالتجسد كان موجودًا، وهو كان موجودًا، وكل هذا أُظهر لنا، ونحن نلنا نصيبًا معينًا سابقًا حسب القصد والنعمة.
"الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ،" (2 تي 1: 9).
كل هذا لأن وجودي ليس مرتبطًا بحسب الوعي الإنساني بتاريخ ميلادي، بل مرتبط قبل تاريخ ميلادي، بالقصد الإلهي.
إذن "الإنسان - آدم، وأنا وأنت – الإنسان" خُلق على صورة يسوع المسيح، ومن ثم فأنا خُلقت على صورة يسوع المسيح، لكن هل أنا كنت على صورة يسوع المسيح؟ هل كانت صورة يسوع المسيح محققة فيّ ومحققة في آدم؟ 
الإجابة لا. 
إذن، فأنا كنت مخلوقًا على صورة يسوع المسيح وينبغي أن أبلغ صورة يسوع المسيح، ليس بالخلق فقط، ولكن بالقصد وبحرية الإرادة. بمعنى آخر كانت هناك مسافة بين الحقيقة "القصد" والواقع، وكانت هي حرية إرادتي واختياري "أن أختار"، أن أكون في صورة يسوع المسيح، أن أختار بحرية إرادتي أن أبلغ هذه الصورة.
الآن السؤال هو: هل كان الإنسان الأول - آدم - كان عنده الروح القدس؟ 
طبعًا نعم، بحسب شرح كل الآباء للنص
"وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً." (تك 2: 7).
أن هذه النفخة هي الروح القدس. 
"فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ، هُوَ بَشَرٌ. وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً»." (تك 6: 3).
 في الكتاب ذو الشواهد ستجدها: "لا يسكن" - في الشاهد في الأسفل
 ومن هنا، أُعلن أن الروح القدس فارق الإنسان، لكن هل كان عنده الروح القدس؟ نعم، كان عنده الروح القدس، وكان مخلوقًا على صورة يسوع المسيح.

باستثناء أوريجانوس، أوريجانوس اعتبر أن اللي أتنفخ في أنف آدم هو الروح الإنسانية.

إذ كان الإنسان في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة، وإذ كان الإنسان على صورة الابن لم يثبت في الصورة، فما الذى كان ينقصه؟ 
كان ينقصه النعمة. 
ما هي النعمة؟ هي قداسة يسوع المسيح، هي اتحاد اللاهوت بالناسوت، اتحاد الابن بالبشرية. هذه هي النعمة!
النعمة هي اتحاد الكلمة بالطبيعة الإنسانية، وإدانته للخطية بالجسد، غلبته على الشرير، طاعته للآب، ثبوته في طاعة الآب، كل هذا الذي تحقق في يسوع لم يكن متاحًا للإنسان بالإرادة المحضة، ولهذا سقط.
كان ينبغي أن الابن يتخذ جسدًا ليكون جسده الخاص. ولكن ماذا يعني "جسده الخاص"؟
هل الابن كما يقول البعض انضغط ووضع داخل الجسد؟ بالطبع لا. 
لكن الصورة بحسب الإنجيل: "ظهر في الجسد"، 
"وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ." (1 تي 3: 16).
كيف ظهر في الجسد؟ كيف صار هذا الجسد جسده الشخصي؟
الإجابة التي اتفق عليها الآباء، من خلال النزاع التاريخي مع الأريوسية والنسطورية، هي أن الكلمة، الابن، قام مقام الشخصية في يسوع المسيح.
هل معنى ذلك أنه كان لديه شخصيتان؟ لا، لم يكن لديه شخصيتان.  هذه تعبيرات الآباء التي انتهى إليها النزاع اللاهوتي. كان لديه طبيعتان.
وقد كان الأنبا غريغوريوس عالمًا في اللغة اليونانية، وحصل على الدكتوراه في موضوع "الأثر المتبادل بين القبطية واليونانية". وكتب تقريرًا للبابا كيرلس السادس، نشرته الأستاذة إيريس حبيب المصري في الجزء الأخير من "قصة الكنيسة القبطية" بعنوان "فترة من البهاء"، قال فيه إننا تباحثنا (في مؤتمر جنيف ١٩٧٠م الذى كان منعقد بين الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية واللاخلقيدونية) ووجدنا أن الخلاف لفظي.
ما هي المشكلة؟ المشكلة أنه قديس كيرلس عمود الدين قال: "طبيعة واحدة من طبيعتين للكلمة المتجسد". هذا كلام البابا كيرلس عمود الدين. ولكن لماذا قالها بهذه الصّيغة؟ 
لأن نسطور قال تعبيرين في منتهى الخطورة: نسطور قال إن المصاحبة بين الكلمة الابن وبين يسوع المسيح كانت مثل الثوب يُلبس ويُخلع، ومثل مرور الماء في الأنبوب، أي لا يوجد اتحاد، فكرة الاتحاد غير واردة، بل بالعكس هو ضدها تمامًا. كما قال ايضا أن الابن حلّ على يسوع في نهر الأردن وقت معموديته. 
كما قال ايضا أنه لما جاء وقت الصلب، الابن، الكلمة، فارق يسوع وتركه للصلب، لأنه ما لا يمكن للابن ان يصلب. 
وهنا ردّ كيرلس عمود الدين بتشبيه الحديد المحمى بالنار: عندما نطرق الحديد المحمى بالنار، فإن الطرق يقع على الحديد ولا يقع على النار.

نعود لفكرة أن الكلمة قام مقام الشخصية. إذًا كان لدينا طبيعتان متحدتان.
الخلقيدونيون قالوا: "طبيعتان متحدتان في أقنوم واحد"،
واللاخلقيدونيون قالوا: "طبيعة واحدة من طبيعتين".
وفي النهاية، اتضح أن الخلاف لفظي.
إذًا الطبيعة الإنسانية كان لها كل ملامح الطبيعة الإنسانية، تتعب وتحزن وتكتئب وكل المشاعر الإنسانية، وكانت مُخضعة للذي يقود الشخصية في الابن المتجسد، اللي هو الابن، الكلمة، مُخضعة خضوعًا كاملًا له.
إذًا، هل كان فيه إرادتين؟ نعم: "لتكن لا إرادتي، بل إرادتك"، لا مطالب طبيعتي، بل طبيعتك، 
"قَائِلًا: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ»." (لو 22: 42).
"الذي في أيام جسده قدم بصراخ ودموع طلبات للقادر أن يخلصه من الموت، وسُمع له لأجل تقواه". 
"الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ،" (عب 5: 7).
هل ترى الحوار داخل الطبيعتين؟
لقد سُمع له، وكيف سُمع له؟ لأجل تقواه.... خلصه من الموت بالقيامة، إذن فالصراخ كان من مواجهة الموت. وقد شبهنا مواجهة الموت بشخص نظيف للغاية، يُطلب منه أن ينزل إلى مكان قذر جدًا، فالموت بالنسبة للشاب الوديع الجميل المبشر، يسوع، المتحد بالكلمة، كان أمرًا فظيعًا للغاية.

كان لابد أن أمرّ على النزاع الأريوسي، والخلقيدوني، والنسطوري، وألخّصهم – ليس أنا من يلخصهم، بل الآباء هم من لخصوهم – في عبارة واحدة: أن الخلاص هو الاتحاد بالكلمة. "ما لم يتحد بالكلمة لم يخلص"، هذه العبارة قالها غريغوريوس النزينزي في معرض مواجهته لأبوليناريوس، الذي قال إن المسيح لم يكن لديه روح إنسانية، ولهذا أُضيفت عبارة "وتأنس".
غريغوريوس النزينزي قال: "إذا كان المسيح ليس لديه روح إنسانية، إذًا روح الإنسان لم تخلص"، ومن هنا وُضعت هذه القاعدة: "ما لم يتحد بالكلمة لم يخلص".
فالذي خلصني، ليس كما قالت نظرية أنسلم التي سار عليها كثيرون، أن جسد المسيح هو الذبيحة والفدية التي قُدمت لله الآب. هذا الكلام لم يقله لوثر، لأن لوثر كان قارئًا وتلميذًا لأثناسيوس، وسار خلف أثناسيوس، وليس خلف هذه النظرية. الذي خلص الطبيعة هو الكلمة الذي اتخذ جسدًا، واتحاد الجسد بالكلمة هو الخلاص.
نعود الآن إلى نقطة مهمة، وهي أنني قلت إن المسافة بين أنني خُلقت، أو أن آدم خُلق على صورة يسوع المسيح، على صورة الله، وبين أنه لم يبلغ إلى صورة الله، أن عنصر الإرادة كان غائبًا، ولم تبلغ الإرادة إلى الاختيار الذي يوصلها إلى هذه الصورة.
كيف دخلتُ إذًا في الاختيار؟
بالقصد والنعمة، وصار لنا نصيب معينون سابقًا، وتم تعييننا بناءً على ماذا؟ بناءً على الاختيار.
"الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ،" (2 تي 1: 9).
كلمة "الاختيار" للأسف تُفهم أحيانًا بطريقة خاطئة، وكأن الله لديه اختيار ورفض، يختار بعض الناس ويرفض آخرين. ومن المعروف أن كالفن هو من نشر هذه النظرية، وإن كانت موجودة قبل كالفن.
لكن ما معنى "الاختيار بحسب علم الله الآب السابق"؟ ولماذا يختار هذا ولا يختار ذاك؟

هناك فرق بين أن أقف عند بائع الفاكهة وأختار كيسين من الكمثرى، فأنا أختار بحرية بين ثمار جامدة، وبين اختيار العروس، الذي لا يتحقق إلا بإرادة الطرفين.
لا يمكن أن أختار عروسًا لابني إلا إذا اختارته هي أيضًا. إذ أذهب إلى أهل العروس وأقول لهم: "ابني فلان، الذي تعرفونه، يرغب في الزواج من ابنتكم". لا يمكن أن آخذ العروس كما آخذ الكمثرى، بل يجب أن توافق هي أيضًا حتى يتم الزواج. إذًا نحن نتحدث عن اختيار عاقل لا يتحقق إلا بإرادة الطرفين.
هكذا، سبق علم الله تأسس على أنه كان يعلم أنني سأختار بإرادتي أن أكون لابنه يسوع المسيح؛ ومن ثم، في علمه السابق، جعلني مختارًا ومعينًا، ونلت نصيبًا فيه، أي في يسوع. بهذا الشكل صار الاختيار المسبق.
ولدينا نموذج يجيب عن موضوع الاختيار إجابة قاطعة، وهو يهوذا.
يقول الرب: "ألستم اثني عشر؟ اخترتكم وواحد منكم شيطان".
"أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ أَنِّي أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، الاثْنَيْ عَشَرَ؟ وَوَاحِدٌ مِنْكُمْ شَيْطَانٌ!»" (يو 6: 70). 
فإذا كان يهوذا شيطانًا، لماذا اختاره؟ لماذا اختاره وهو يعلم أنه سيخونه ويبيعه؟
هذه هي محبة الله، فقد أعطاه فرصته واختاره بين تلاميذه، رغم علمه بأن يهوذا لن يثبت في الاختيار.
هناك الكثير من الحديث عن يهوذا، ليس مجاله اليوم، لكن في القداس الكيرلسي توجد ملاحظة جميلة غير موجودة في الإنجيل، وهي أنه عندما جاء يهوذا وقال لهم: "الذي أقبّله هو هو"،
"وَكَانَ مُسَلِّمُهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلًا: «الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ، وَامْضُوا بِهِ بِحِرْصٍ»." (مر 14: 44).
يقول في القداس الكيرلسي: "فجذبه إليه وقبّله بقبلة المحبة"، أي أنه حتى وهو يخونه ويبيعه، كان المسيح لا يزال يحاول معه.
فنموذج يهوذا يجسد لك معنى حرية الاختيار بشكل كامل، ويُعبّر عن قصد الله وسبق علمه. سبق علمه بأن يهوذا لن يكون من العروس. لاحظ أنني قلت: "لن يكون من العروس!"، لكي أوضح أن شعوب المخلصين ستسير في نورها. ليس كل الناس سيكونون العروس، لكن ليس كل الناس سيهلكون، لأنه "ذهب فكرز للأرواح التي في السجن":
"الَّذِي فِيهِ أَيْضًا ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ،" (1 بط 3: 19).
هذا هو كلام القديس إيرينيئوس، الذي نشرته في كتاب "التغيير لصورة مجده"، حتى لا ندخل في نقاشات مطولة حول هذا الموضوع. هو الذي قال إن النفوس العنيدة، الأرواح التي تصر على الهروب من النور، هي التي ستهلك. أما غير ذلك، فسيكون لهم فرصة في الدهر الآتي بشكل ما، ولا نريد أن نتفرع في هذا الموضوع اليوم حتى نكمل حديثنا.

 جسد المسيح: -
يقول القديس غريغوريوس النزينزي، أن الكلمة اتخذ جسدًا، يشبهنا في كل شيء، ما خلا الخطية وحدها. جسد زي جسدي طبق الأصل، نفس زي نفسي طبق الأصل، ثم إن هذا الجسد، بعدما صنع تطهيرًا لخطايانا 
"الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي،" (عب 1: 3).
ودُفن وقام، لما قام، نفس الجسد قام، ولكنه صار جسد القيامة.
هو نفس الجسد؟ أيوه! قال لهم: "جسّوني، هل الروح له لحم وعظام؟" 
"اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ! جُسُّونِي وَانْظُرُوا، فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي." (لو 24: 39).
لكن جسد القيامة له صفات وخصائص مختلفة عن الجسد الذي وُلد به من العذراء. دخل والأبواب مغلقة، وارتفع إلى السماء، وغير ذلك.
هو يستطيع أن يأكل، لكنه لا يحتاج إلى الأكل ليعيش، لأنه جسد القيامة. إذًا هو نفس الجسد، لكنه تحوّل إلى جسد القيامة، وبقي معهم أربعين يومًا، يجسّونه ويأكلون معه، وكان معهم يعلّمهم، ثم ارتفع بجسد القيامة.
عندما دخل يقول: "إذ دخل"، "إذ ارتفع إلى السماء"، دخل إلى مجده، فتحوّل تحولًا ثالثًا، عندما دخل إلى مجده:
"أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟" (لو 24: 26).
ماذا عن جسد المجد؟ نحن لا نعرف!
"أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ." (1 يو 3: 2).
المعلومة الثانية التي نعرفها هي أن هذا الجسد صار "ملء الذي يملأ الكل في الكل، ما في السماء وما على الأرض":
"الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ." (أف 1: 23).
فهو صار بلا حدود، لأنه دخل إلى مجده، إلى صورة جسد المجد، وصار يسوع المسيح نفسه هو رأس هذا الجسد. صورة جسد المجد هي المجد ذاته، وجسد المجد هذا واحد، هو الذي يملأ السماء والأرض.
ثانيًا، جسد المجد هذا هو الذي نلت فيه نصيبًا معينًا حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته:
أفسس ١: ١١: "الَّذِي فِيهِ أَيْضًا نِلْنَا نَصِيبًا، مُعَيَّنِينَ سَابِقًا حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ،" (أف 1: 11).
وأنا واقف على المذبح أقول: "نحن عبيدك الخطاة غير المستحقين، فليحل روحك القدوس علينا وعلى هذه القرابين"، لكي يفعل ماذا؟ "لكي يجعله ويظهره قدسًا لقديسيك، وهذا الخبز يجعله جسدًا مقدسًا له".

من الذي يحل على الخبز والخمر ويحل علينا؟ إنه جسد المسيح الممجد! هو الذي دخل إلى مجد الله الكامل، وصار "ملء الذي يملأ الكل في الكل". هذا هو جسده، وهو بالطبع رأس الجسد. هذا الجسد هو الذي نلت فيه نصيبًا، وهو الذي يحل على الخبز والخمر ويوحدني به. فعندما يعطيني جسده، يوحدني بجسده الممجد، الذي نلت فيه نصيبًا.

قد يتساءل البعض: "لقد تناولت مرة واحدة، فلماذا أتناول مرة أخرى؟"
لأن المرة الواحدة لم تنجح في أن تكمّل الموضوع المرتبط بإرادتي، أي أنها لم تقدسني مرة واحدة للأبد. أنا أحتاج إلى غفران الخطايا، أي التطهير من الخطايا، وأحتاج إلى تكميل الاتحاد بجسده، وأحتاج إلى النمو في هذه الوحدة. مع من؟ مع جسد مجده، جسده الممجد.

"الحياة أُظهرت، ظهرت لنا". 
انا قلت جملة واحدة: "الحياة أُظهرت"، لأنها كانت موجودة، نعم، لكن ليست هذه كل الإجابة، فما زال هناك الجزء الثاني من الإجابة.
وهو: "أنا قد جئت نورًا للعالم، لكي لا يمكث كل من يؤمن بي في الظلمة"، "أنا هو نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة".
"ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا قَائِلًا: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ»." (يو 8: 12).
أنت سمعت كلمة "نور الحياة" دي؟ هذه تعبيرات المسيح له المجد، هو نحتها، ما كانتش موجودة في الكتاب المقدس في العهد القديم. "نور حياة"، ربط الحياة، اللي هو بيدهاني، بالنور.
ومن أجل هذا، أن "الحياة أُظهرت"، فالنور الذي كان آتيًا إلى العالم لكي يُنير كل إنسان، 
"كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ." (يو 1: 9).
هل سمعت تعبير "نور الحياة"؟ هذه تعبيرات المسيح له المجد، هو الذي صاغها، ولم تكن موجودة في العهد القديم. "نور الحياة"، يربط الحياة، التي يمنحني إياها، بالنور.
ولهذا السبب، "الحياة أُظهرت"، فالنور الذي كان آتيًا إلى العالم لينير كل إنسان:
"كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ." (يو 1: 9).
الحياة أنارتني فأبطلت الظلمة.
الظلمة، التي هي الموت، والتي هي الخطية الساكنة فيّ. إذًا هناك علاقة بين الحياة وبين النور.
سيأتي يوم عندما نتحدث عن المعرفة، سنتحدث عن الرؤية العقلية التي اختبرها القديسون، وكيف استطاعوا بنعمة المسيح أن يروا الله بهذه الرؤية العقلية.

موعدنا في المحاضرة القادمة تحت عنوان
"لأني نزلت من السماء"

 

Powered By GSTV