رأيٌ في الأحداث (۱٦) | الدولار والخصخصة
Apr 07, 2025 26
980 79

رأيٌ في الأحداث (۱٦) | الدولار والخصخصة

حينما تَسلّم الرئيس عبد الناصر ورفاقه من الضباط الأحرار السُلطة في مصر، كان الجنيه المصري أقوى من الجنيه الإسترليني، مُحتفظًا بغطائه من الذهب. ولما لم يسعفه الغرب وصندوق النقد في تمويل مشروع السد العالي؛ لجأ إلى الاتحاد السوفيتي، وأُنشئ السد العالي الذي غطى احتياجات البلاد آنذاك من الكهرباء، وحمى مصر خلال العقود المُتتالية من فيضانات النيل الضعيفة.

أحدث عبد الناصر بمعاونة عزيز صدقي ثورة صناعية كان شعارها "من الإبرة للصاروخ"؛ فكانت شركة النصر لصناعة السيارات ومئات المصانع الأُخرى. (لما سافرت إلى الخارج في سن الثلاثين كان الدولار الأمريكي يساوي نصف الجنيه المصري، وكان المارك الألماني يساوي أربعون قرشًا مصريًا) !

قادت أمريكا حملة العولمة ونظام التجارة العالمي الجديد، وانخرطت مصر في نظام العولمة والانفتاح؛ كملاذ آمن بعد ما آلت إليه أحوالها الاقتصادية من وراء حروب عبد الناصر نفسه في اليمن أولًا، وانهيار غطاء الذهب للجنيه المصري، ثم حرب يونيو 67، ومن بعدها حرب الاستنزاف. حتى أن حرب أكتوبر 73 كانت معجزة إلهية بكل المعايير. لكن الارتماء في أحضان النظام الاقتصادي الغربي والانفتاح كان هو الحل الوحيد أمام الرئيس السادات؛ للخروج من المأزق الاقتصادي الذي تركته الحرب. أما ما حدث في عصر الرئيس مبارك من سياسات التبعية لنظام العولمة الأمريكي فقد سار على مبدأ: "أننا إذا صنعنا إطار الكاوتش، سيكلفنا 100 جنيه، ولكننا إذا اشتريناه جاهزًا، سيكلفنا 50 جنيه مثلًا؛ إذن فالاستيراد أرخص سعرًا"، وهكذا تم بيع وإغلاق وخصخصة ما تبقى من المصانع التي تركها عبد الناصر، وصرنا نعتمد على الاستيراد في كل شيء، وهكذا أرتفع سعر الدولار اليوم إلى خمسين جنيهًا مصريًا للدولار الواحد !

اليوم قد تغير الرئيس الأمريكي والحزب الحاكم من اليسار إلى اليمين، لكن السياسة الأمريكية لا تتغير، فهي تقوم على الهيمنة والسيطرة على العالم، والتي تحكمها وتحركها المصالح، والقوى المتحكمة في الاقتصاد والمُسيطرة عليه.

الرئيس ترامب فرض تعريفات جمركية متفاوتة القسوة على كل بلاد العالم، واستثنى مصر (وبعض الدول) بعشرة في المئة فقط، وهذه فرصة أكثر من رائعة لتصبح مصر ملاذًا آمنًا للصناعة العالمية ومركزًا للتصدير؛ والمتوقع أن نستفيد سياسيًا واقتصاديًا من المُتحكم في الاقتصاد العالمي، وليس أن ندخل معه في صدامات غير محسوبة العواقب؛ أما من ينبغي أن نلوم في ما حدث لاقتصادنا ومصانعنا، وتحول سعر صرف الجنيه إلى خمسين ضعف أمام الدولار؛ فليس هو الرئيس الأمريكي !

كل دول العالم ساخطة على التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب؛ لكن المواطن الأمريكي -ما عدا الحزب الديمقراطي المعارض- في غاية السعادة؛ لأن المواطن الأمريكي هو الذي كان يدفع من الضرائب الباهظة عليه: تمويل مصانع السلاح، تكلفة الحرب في أوكرانيا وإسرائيل، فروق عجز الميزان التجاري، والجمارك التي تفرضها كل بلاد العالم على المُنتجات الأمريكية دون أن تُعامل أمريكا بالمثل: سترتفع الأسعار في أمريكا، ولكن بالمقابل ستُخفض الضرائب، ليس فقط عن محدودي الدخل، بل وأيضًا عن متوسطي الدخل.

برأيي أن الانسياق وراء حملات الصراخ العالمي على الرئيس الأمريكي لن تفيدنا بشيء، وليست عادلة من وجهة نظر دافع الضرائب الأمريكي، وبدلًا من أن نلوم رئيس الدولار، دعونا نعالج ورطة اعتمادنا على الدولار، ونعيد بناء المصانع التي باعها أو أغلقها المُخصخصون، وننشئ أكثر منها.

وهذا مجرد رأيٌ في الأحداث.

 

بنسلفانيا – أمريكا

٦ أبريل ۲۰۲٥

لمتابعة المقالات السابقة من سلسلة مقالات "رأيٌ في الأحداث" اضغط على الرابط التالي:

https://anbamaximus.org/articles/Ra2yFeElahdath

Powered By GSTV