جلست في خلوتي الصباحية للصلاة؛ وتطرقت إلى الصلاة الشفاعية من أجل سلام العالم ومن أجل شفاء المرضى وقائمة طويلة من الاسماء والطلبات؛ فحدثتني نفسي: ما كل هذا؛ طلباتك كثرت جدا! فشعرت بالخجل وكدت أن أكتفي بهذا القدر من الصلاة الشفاعية!
وقبل أن أصمت؛ نبه الروح القدس ذهني إلى كلمات الرب "مهما! سألتم بإسمي فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن" (يو ١٣/١٤)؛ توقفت كثيرا عند كلمة "مهما" متعجبا متأملًا: هل إلى هذه الدرجة محبة الله وأمانته مع محبيه! ثم تنبهت مرة أخري إلى سبب ومفتاح هذه الدالة الفائقة عند الآب في إستجابة الصلاة وهي في كلمات الرب في (يو٧/١٥) "إن ثبتم فيَّ و ثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم".
شعرت بسعادة غامرة من أجل محبة الله وأمانته مع محبيه؛ وفهمت كيف أقام الرسول بطرس غزالة من الموت؛ وكيف رفع البابا بطرس الجاولي منسوب مياة النيل؛ وطابور طويل من المستحيلات لم تعد مستحيلة أمام إيمانهم المشروط والمؤيد بثبوتهم فيه وتكميل طاعة الوصية؛ الأمثلة التي ذكرتها لقادة كبار رسول وبطريرك! لكن هل يمكن أن يتحقق هذا مع فتاة صغيرة بعمر ١٤ سنه؟ التاريخ يحكي عنها؛ فقد صارت كل الأجيال تطوبها.
بعد قداس كنت أصلي فيه صلاة القسمة السنوية التي تقول: يا معين الملتجئين إليه ورجاء الذين يصرخون نحوه الذي يقف أمامه ألوف ألوف الملائكة ورؤساء الملائكة.. ألخ "سألني واحد من التلاميذ: كنت تصلي إلى معين الملتجئين إليه؛ لماذا تذكرت الملائكة ورؤساء الملائكة في الصلاة؟
لاشك أن ثورة الإصلاح التي قادها لوثر في الكنيسة الكاثوليكية؛ كانت عملا مباركًا غير وجه التاريخ المسيحي؛ لكنها أطاحت بموروثات ثمينة لم يقدروا أو يدركوا قيمتها في ذلك العصر بسبب الضعف وممارسات الجهل التي صاحبتها مثل الصلاة الشفاعية ودور الملائكة في خدمة ومعونة الكنيسة! على أية حال فالتصور الساذج عند البسطاء أن القديسين يسمعونهم حينما ينادون عليهم ثم يتشفعون لهم في طلباتهم لا وجود له والحقيقة هي أن الروح القدس هو الذي بحسب مشيئة الله يشفع في قلوب القديسين (رو٢٧/٨)
أما عن الملائكة فقد وصف المزمور بدقة طبيعة دور الملائكة في المشاركة في خدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص إذ يقول: في (مز٢٠/١٠٣) "باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة؛ الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه"
فالملائكة لا يُصلى لها ولا هي تستجيب للدعاء! ولكن الذي يستجيب هو الرب الذي له وحده ينبغي أن يُصلى؛ ودور الملائكة هو تنفيذ أوامره وإستجابته عندما ينقل الروح القدس إليه أمر الإستجابه بنفس السرعة التي نقل بها صلاتك؛ كما عمل الشفاعة في قلوب القديسين. أما أهمية الشفاعة ودورها في تحقيق حركة الحب والوحدة والشركة في الكنيسة؛ فهذا مقال آخر.
وهذا هو سبب الربط بين الصلاة إلى معين الملتجئين إليه وبين دور الملائكه الأقوياء في تنفيذ الإجابة والمعونه.
تبقي أن نفهم لماذا وصف السيرافيم بأن لها ستة أجنحة؛ فالملائكة ليسوا كائنات مادية تطير بأجنحة في الهواء كما الطيور؛ فالهواء موجود فقط داخل الغلاف الجوي وهم أرواح بلا أجساد؛ ولكن فكرة وتصور الأجنحة أخذ طبعا حركة طيران الطيور وهي الصورة التي عبرت بها كافة الرؤي في الكتاب المقدس من رؤيا إشعياء النبي (أش٦) إلى رؤيا يوحنا اللاهوتي في سفر الرؤيا؛ ومن المعروف جيدا أن قوة الطائر هي في جناحيه؛ فحينما يقول أن لهم ٦ أجنحة فهذا تعبير عن شدة القوة "ملائكته المقتدرين قوة"( مز ٢٠/١٠٣)
وبنفس هذه الاستنارة نفهم أن معني إمتلاء الشاروبيم من العيون إنما هو تعبير عن الامتلاء من الاطلاع على المعرفة والأسرار الإلهية.