حينما قرأت ولفت إنتباهي لأول مرة وعد الرب في (يو١٢/١٤) "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضا ويعمل أعظم منها لأني ماض إلي أبي" كان الأمر في البداية بالنسبة لي صعب القبول ومما زاد الأمر صعوبة؛ عبارة وأعظم منها؛ إذ لم يكن مفهوما لي وقتها أنها مسببة بالكلمة الختامية للنص وهي "لأني ماض إلى أبي"
ولكنني تعاملت مع النص بداية؛ من منظور إيماني وأخضعت ذهني لقبوله وتصديقه رغم صعوبة تصوره أو إستيعابه عمليًا؛ لكن الإنجيل حسم الأمر عندي بقول الرب : "السماء والأرض تزولان وأما كلامي فلا يزول" وظللت مصدقًا وغير فاهم؛ ومنتظرًا أن يأتي وقت الفهم! ولم يكن هذا النص وحده غير المفهوم لي بل يكاد يكون إنجيل يوحنا في معظمة يبدو لي ألغازًا بهذا الشكل؛ حتي كان ترتيب الرب الرائع لي أن يخرج بي من عباءة المسيحية المتهودة الغير قادرة علي فهم أو استيعاب العهد الجديد؛ بأن إلتحقت برفقة معلمي وحبيبي في المسيح الدكتور نصحي عبد الشهيد في بيت التكريس؛ لتبدأ رحلة الاستغراق في دراسة وفهم لاهوت آباء الكنيسة الحقيقيين : أن الخلاص عند الآباء هو الاتحاد بالمسيح؛ بل أن المسيحية بجملتها هي الاتحاد بالمسيح؛ وأن الكنيسة بأسرارها هي الثبات في نعمة الاتحاد بالمسيح؛ لقد تغير كل شئ وإنفجر النهار والنور والفهم؛ فلماذا ربط المسيح نعمة أن نعمل أعماله بعبارة؛ "لأني ماض الي أبي"!؟
الإجابة نورت في الإنجيل "لأني إن مضيت أرسله إليكم" أي الروح القدس؛ وحينما يأتي إلينا الروح القدس بروح التبني صارخا في قلوبنا يا أبا الآب؛ فإنه يزيل تيتمنا؛ إذ يقول له المجد "لا أترككم يتامي إني آتي اليكم" إذًا فنحن نصير أبناء للآب ليس بتبني شرفي وأخلاقي! كما كانوا يخدعوننا؛ بل نصير أبناء فعليين بنعمة إتحادنا بالابن المتجسد الذي أتى إلينا في الروح القدس!
النور نَوَّر وصار منطقي ومعقول الفهم الآن: أن المسيح الحي والحال فيَّ يعمل أعماله؛ ويعمل أعظم منها؛ لأنه دخل بإنسانيتي إلى كل مجده ومجد أبيه والروح القدس؛ ولكن يتبقى أن نفهم أن عبارة "يؤمن بي" لا تعني في هذه الحالة بسيط الإيمان الذي نبدأ به رحلة قبولنا له؛ ولكنه نضج الإيمان الذي كمل الطاعة والخضوع له حتى إستطاع أن يقول"أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ"