لم يحمل التاريخ إساءة للمسيحية؛ أسوأ من فكرة إنتقام الآب السماوي من إبنه بالصلب بدلًا من الإنسان ترضية لغضبه! إلا أخدوعة الكاهن الذي لا تُغفر الخطايا للناس إلا بسلطانه وبعد غفرانه!
ولقد فتشت اللاهوت الارثوذكسي لكي أعثر علي جذور لهذه الفكرة فلم أجد؛ وجدت في كتاب الديداكي (١٢٠م) تأكيد وتحذير لأهمية الاعتراف قبل الشركة في جسد الرب ودمه "لكي تكون ذبيحتكم نقية"ووجدت إشارات متعددة للاعتراف علي يد كاهن ؛ثم بالأهم وجدت شرح القديس كيرلس عمود الدين لإنجيل يوحنا ( يو٢٣/٢٠) "إقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياة تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت" الذي حدد منح هذا الغفران وإمساكه في نطاق إداري تنظيمي لفحص المتقدمين للمعمودية والسماح للمستحقين بالتقدم لها لنوال الغفران بها؛ أو بمنع غير المستعدين للمعمودية فيمسك عنهم غفرانها!
والترتيب الآخر هو إنتهار أبناء الكنيسة المرتدين إلى الخطية فيمسكون عنهم الغفران والشركة؛ والسماح لهم بالرجوع عند التوبه فيغفرون؛ كما فعل بولس الرسول مع زاني كورنثوس ( ١كو ٤/٥) ومن ثم فقد صار واضحا من شرح القديس كيرلس ما هو التسليم الارثوذكسي؛ بغير إفتئات علي ما هو غير الارثوذكسي؛ أن الأمر لا يخص لا من بعيد ولا من قريب الاعتراف المتجدد لخطايا المؤمنين؛ التي لم تصل بهم إلى مستوي قطعهم من الشركة المقدسة! ففيما عدا حاجة المؤمنين إلى سلطان الشفاعة للفكاك أو المشورة والتدبير من الكاهن؛ تصبح دايلما الاعتراف علي الكاهن بالشكل الحادث حاليا في بعض الكنائس الارثوذكسية؛ أمر دخيل علي التسليم الارثوذكسي! أو مقحما عليه من نظام الحياة الرهبانية التي تلزم التلميذ أن يعترف بكل كبيرة وصغيرة للمرشد؛ مع العلم أن الآباء الروحيين في الرهبنة لم يكونوا بالضرورة كهنة!
أما تتبع كيف أمكن ليّْ التعريفات و تغيير إسم السر من"سر التوبة" إلى "سر الاعتراف"! وتاريخ وظروف دخوله إلينا بهذا الشكل ومن أين نقل إلينا؟ فهذه كلها أتركها لجيل الباحثين المستنيرين؛ تبقي أن ألفت النظر إلى هول الخطأ الذي يسقطون فيه بقولهم "أن الخطايا لن تغفر إلا بالاعتراف على يد الكاهن ونوال الحل والغفران من فمه!" فبغض النظر عن شرح القديس كيرلس عمود الدين الذي أسلفناه علي (يو ٢٣/٢٠) و بإفتراض أنه يعني ويقصد جميع الخطايا بكل الأشكال! فإن النص يعني تكليفا "ووكلاء" لسرائر الله؛ ولا يعني تنازل حصري من الله للإنسان عن سلطان غفران الخطايا ؛ حتي أنهم يقولون بحصر اللفظ أن الخطية لن تغفر إن لم يغفرها الكاهن أولًا ! !
فقد جري ليّْ معني النص؛ حتي لو تجاوزنا الحقيقة مؤقتا للشرح؛ وحولوه من نعمة مفاضة للمعونة؛ إلى تعدي مباشر على سلطان الله والاستيلاء عليه وحصره فيهم دونه! ودون حرية الإنسان وعلاقته المباشرة مع الله! فهل هذا الكلام مسيحي؟! وهل ينتمي بأي شكل إلي أرثوذكسية الآباء؟ وهل السكوت عليه لا يعد جريمة؛ أبشع من إفتراء المدعوين كهنة على سلطان المسيح في كنيسته؟ أم ماذا ؟!
وحتي تكتمل حلقة الخداع والغش والتضليل ؛ فإنهم يربطون نص إنجيل يوحنا (يو٢٣/٢٠) ربطا غير أمينا؛ بتسليم المسيح له المجد سلطانًا مميزًا من سلطانه لتلاميذه في (مت ١٩/١٦) "وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات فكل ما تربطه علي الأرض يكون مربوطا في السماء وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السماء" فهل تحقق فعليًا هذا السلطان في حياة تلاميذه وقديسيه المختارين على مدي الأيام ؟
الاجابة واردة في سفر أعمال الرسل وفي تاريخ الكنيسة إلى يومنا هذا بأمثلة بلا عدد وبكلمة الأمر الحاملة لسلطان ابن الله ؛ وبسلطانه : "يا طابيثا قومي" ( أع ٤٠/٩) فمن أين أتوا بفكرة أن السلطان الذي منح للرسل ولقديسين كثيرين فيما بعد؛ هو وراثة وخلافة لكل من شغلوا وظائف كهنوتية ما! وبدون أي دليل أو فعل أو برهان يدل علي أن هناك علامة من أي نوع علي هذا السلطان؟!
الأمر جد خطير ؛وغيبة أي برهان أو دليل عليه من اللاهوت الارثوذكسي؛ وخلط الأوراق بين الاعتراف علي يد كاهن؛ بسلطان الحل والربط؛ ثم خلط سلطان عمل القوات (مفاتيح ملكوت السماوات) بالوظائف الكهنوتية! إنتهاءً بحصر سلطان الغفران في يد الكاهن! قبل الله نفسه! شهادة علي الجميع بالمشاركة بالصمت في هذه الجريمة البشعة ضد سلطان المسيح في بيته وسرقة مجده! هذا إذا لم تكن المشاركة بالتدليس والخداع بتعليم مدسوس!